فصل في الكلام في حقيقة الشكر
  إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[القصص: ١٦]، وقال تعالى - حاكيا عن داود #: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ}[ص: ٢٤]، وقال تعالى - حاكيا عن سليمان #: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[ص: ٣٥]، وقال تعالى لنبيّنا ÷: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ١ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً}[الفتح: ١ - ٢]، وليس خطايا الأنبياء جميعا - À أجمعين - بتعمد منهم لمعصية اللّه سبحانه، ولكنهم يغفلون ويسهون، ويفترون وينسون، إلا في تبليغ الرّسالة فإنهم معصومون عن النسيان والغفلة، وأشباه ذلك.
  وأما فيما يخصّهم(١) في أنفسهم فليسوا بمعصومين بل يسهون، وينسون ويغفلون، بل إنهم معصومون من الكبائر، وليسوا بمعصومين من الصغائر.
  والدليل على أن النبيء لا ينسى ما أرسل به قول اللّه تعالى:
  {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ٦ إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ}[الأعلى: ٦ - ٧]، ومعنى {ما شاءَ اللَّهُ}(٢) يريد وقت النوم والموت، وعلى ذلك فطرهم اللّه. وغيرهم من الناس، قال اللّه تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً}[النساء: ٢٨].
  فأما الملائكة À فإنهم لا يفترون عن عبادة اللّه ولا ينسون، وقد حكى اللّه ذلك عنهم، فقال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء: ٢٠]، وقال تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ
(١) في (ع، س، ي): وأما ما يخصهم.
(٢) في (ث): ومعنى {إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ}. وفي (ض): معنى {ما شاءَ اللَّهُ}