حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في حقيقة الشكر

صفحة 296 - الجزء 1

  إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}⁣[القصص: ١٦]، وقال تعالى - حاكيا عن داود #: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ}⁣[ص: ٢٤]، وقال تعالى - حاكيا عن سليمان #: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}⁣[ص: ٣٥]، وقال تعالى لنبيّنا ÷: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ١ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً}⁣[الفتح: ١ - ٢]، وليس خطايا الأنبياء جميعا - À أجمعين - بتعمد منهم لمعصية اللّه سبحانه، ولكنهم يغفلون ويسهون، ويفترون وينسون، إلا في تبليغ الرّسالة فإنهم معصومون عن النسيان والغفلة، وأشباه ذلك.

  وأما فيما يخصّهم⁣(⁣١) في أنفسهم فليسوا بمعصومين بل يسهون، وينسون ويغفلون، بل إنهم معصومون من الكبائر، وليسوا بمعصومين من الصغائر.

  والدليل على أن النبيء لا ينسى ما أرسل به قول اللّه تعالى:

  {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ٦ إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ}⁣[الأعلى: ٦ - ٧]، ومعنى {ما شاءَ اللَّهُ}⁣(⁣٢) يريد وقت النوم والموت، وعلى ذلك فطرهم اللّه. وغيرهم من الناس، قال اللّه تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً}⁣[النساء: ٢٨].

  فأما الملائكة À فإنهم لا يفترون عن عبادة اللّه ولا ينسون، وقد حكى اللّه ذلك عنهم، فقال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ}⁣[الأنبياء: ٢٠]، وقال تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ


(١) في (ع، س، ي): وأما ما يخصهم.

(٢) في (ث): ومعنى {إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ}. وفي (ض): معنى {ما شاءَ اللَّهُ}