فصل في الكلام في التوبة
  وعرف فضلها وقدرها. وكذلك من أضرّ به الجوع والظمأ إذا وجد الطعام والماء عرف فضل النعمة بعد البليّة.
  وفي البليّة منافع أخرى(١)، منها أنها تذكر العبد عذاب الآخرة وألمها، ولولا البلاء(٢) في الدنيا ما صدّق العبد بوعيد اللّه في الآخرة.
  ومنها أن البلاء يمنع العبد عن كثير من المعاصي، ويرغبه في الطاعة، ويزهده في الدنيا. ولما كان في الشاهد أن الأطباء والحكماء من الناس يداوون الأعلّاء بدواء مؤلم لهم في الحال، نافع لهم في المآل، كالفصد، والكي، وشرب العقاقير، وأمثال ذلك، حكم العقل الضروريّ أن البلاء من اللّه حسن، وأنه نافع للمبتلى قال اللّه تعالى:
  {وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الأعراف: ١٦٨]، يريد أنه بلاهم بالخير ليشكروا، وبلاهم بالشر ليحذروا. والشكر والحذر رجوع إلى اللّه تعالى.
  واعلم أن اللّه تعالى قد ابتلى العبد بالخير لينظر شكره، وابتلاه بالشر لينظر صبره، ولولا البلاء لما عرف(٣) المطيع من العاصي.
(١) في (ج، س، م): منافع أخر.
(٢) في (ص): ولولا البليّة.
(٣) في (ب، ع، ش): ما عرف.