حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في امتزاج النعمة والمحنة

صفحة 315 - الجزء 1

فصل في الكلام في امتزاج النعمة والمحنة

  اعلم أنه لا يوجد نعمة في الدنيا إلا وبجنبها محنة، فمن ذلك زوال النعمة فإنه محنة، ومنه ما جعل اللّه للعبد من الاستطاعة فإنه جعله مستطيعا للإيمان ومستطيعا للكفر، ومستطيعا للطاعة ومستطيعا للمعصية.

  ومن البلية أنه عجّل الدنيا الفانية، وأخّر الآخرة الباقية وجعلها مغيّبة خافية، قال عزّ من قائل: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى}⁣[طه: ١٥]، يريد أنه لم يجعلها مشاهدة في الدنيا ولم يبدها، وأخرها وأخبر عنها. ومعنى إخفاء اللّه لها أنه أخفى عينها ووقتها، ولم يخف خبرها.

  ومن البلية أن الباطل قد يشبه الحق في بعض المواضع، ولا يفصل بينهما إلا ذو العلم والحجا، وذلك في مثل مسائل الاجتهاد؛ مثال ذلك الجمع بين الأختين في ملك اليمين، وقد سئل عن ذلك أمير المؤمنين فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، فغلّب الحظر على الإباحة فحرّمهما.

  وقال # في خطبة له: (ألا إن الحق لو خلص لم يخف على ذي حجا⁣(⁣١)، وإن الباطل لو خلص لم يخف على ذي حجا، ولكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيمتزجان معا، فحينئذ يستولى الشيطان على حزبه، ونجا حزب اللّه الذين سبقت لهم


(١) أي: عقل. تمت.