فصل في الكلام في امتزاج النعمة والمحنة
  من اللّه الحسنى. ألا إن الباطل خيل شمس ركبها أهلها فأرسلوا لها أزمتها فسارت حتى انتهت بهم إلى نار وقودها الناس والحجارة.
  ألا وإن الحق مطايا ذلل ركبها أهلها وأعطوا أزمتها فسارت بهم الهوينا حتى انتهت بهم ظلّا ظليلا. فعليكم بالحق فاسلكوا سبله واعملوا به تكونوا من أهله).
  واعلم أن امتزاج الحق بالباطل؛ مثل فعال المنافقين، فإنهم أقرّوا بالإيمان واعتقدوا الكفر فأجراهم اللّه ورسوله مجرى المسلمين، ولم يبدهم بأعيانهم - للبليّة - فقال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا}[النساء: ٩٤]. وروي عن رسول اللّه ÷ أنه قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: (لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه)، فإذا قالوها حقنوا عنّي(١) دماءهم وأموالهم» فلما قبل منهم الظاهر، لم يكلف اللّه النبيء ÷ معرفة باطنهم، ولا كلّف المؤمنين ذلك. فمن هاهنا امتزج الحق بالباطل(٢)، فصار المنافقون يروون عن رسول اللّه ÷ شيئا لم يقله، فيصدّقون لتغطّيهم بالإسلام، ولو كانوا مظهرين للكفر لم يصدّقوا. فمن هاهنا أفسدوا الإسلام، فهذا من البليّة قال اللّه تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ ٢٩ وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ ٣٠ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ٣١ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ}[محمد: ٢٩ - ٣١]، فأخبر(٣) أن ترك تعريف المنافقين بليّة للمؤمنين.
(١) في (ت، ل): عليّ.
(٢) في (م): والباطل.
(٣) في (أ): وأخبر.