فصل في الكلام في الصبر على البلية
  فقال شقيق: فكيف هو عندك(١) يا ابن رسول اللّه؟ قال: التّوكّل عندنا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا شكرنا). فدل كلامه على أن من لم يرض بالبلية فليس بصابر عليها؛ لأن الكلاب لا ترضى بالمنع، ولا فضل لمن لم يجد بدّا(٢) من الصبر فصبر وهو غير راض به، وهذه صفة البهائم. وإنما الصابر من رضي بالبليّة، ورجا ثوابها من اللّه، ولم يشك ما أصابه إلى المخلوق(٣).
  ومن أفضل الصّبر أن لا يدعو إلى اللّه لزوال البلية إلا إذا أجهده الأمر ولم يجد للصبر موضعا، كما فعل أيوب #، فإنه دعا إلى اللّه، قال اللّه تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ}[ص: ٤١]، وكذلك قال يعقوب #: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف: ٨٦]، ولم يدعوا ربهما بزوال البليّة إلا عندما أجهدهما الأمر، ولم يجدا للصبر موضعا؛ ولأنهما لو سألا ربهما زوال البليّة في مبتدئها(٤) لم يكونا راضيين بالبليّة. ولا يكون العبد صابرا على البليّة إلا إذا كان راضيا بها وكان يقدر على الخروج منها فيختار الصبر عليها، مثل أن يصيبه اللّه بألم فيرضى به ولا يسخط منه ولا يشكوه إلى مخلوق. ومثل من يصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، ويصبر على كظم الغيظ وهو يقدر على الانتصار، وقد روي
(١) في (ل، م): فكيف هو عندكم.
(٢) في (ص): لمن لا يجد بدّا.
(٣) في (ص، م): إلى مخلوق. وفي (ش، ي): إلى المخلوقين.
(٤) في (ث): في مبتداها.