فصل في الكلام في الصبر على البلية
  عن رسول اللّه ÷ أنه قال: «ألا إنه سيكون أقوام لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتّجبر، ولا يستقيم لهم الغنى إلا بالبخل والفجور، ولا تستقيم لهم المحبّة في الناس إلا باتّباع الهوى، فمن أدرك ذلك منكم فصبر على الذل وهو يقدر على العز، وصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة في الناس وهو يقدر على المحبّة، لا يريد بذلك إلا وجه اللّه والدار الآخرة، أثابه اللّه تعالى ثواب خمسين صدّيقا».
  واعلم أن أعظم ما ابتلي به الإنسان الشهوة والكراهة، قال اللّه تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا}[آل عمران: ١٤]، فهذه الأشياء التي سماها اللّه، هي أجلّ ما ولعت النفوس بشهوته، فأشدها محبّة النساء ثم البنون ثم هي على هذا الترتيب المرتّب في الآية إلى الحرث. فكانت الشهوة لهذه الأشياء، والحاجة إليها بليّة ابتلى اللّه بها الناس، فمن صبر عنها وامتنع من الهوى(١) فلزم نفسه(٢) من اتّباع الشهوات فاز بالحسنى وكان عند اللّه من الكرماء، قال اللّه تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغى ٣٧ وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا ٣٨ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى}[النازعات: ٣٧ - ٣٩]، وقال عزّ من قائل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}[الحجرات: ١٣]، فكانت الشهوة من أعظم البلايا.
(١) في (ص، ع): عن الهوى.
(٢) في (ش): ولزم نفسه.