فصل في الكلام في الموت
  ليكون العبد خائفا لقيام الساعة وهجوم الموت في كل وقت وحين، وليكون مستعدّا للموت ونزوله في جميع الأوقات، وليكون ذلك أقرب للبلاء وأنفع للمبتلى؛ ولأنه لو كان العبد يعلم وقت قيام الساعة ووقت هجوم الموت عليه لكان أكثر الناس يتبع الشهوات ويلهو(١) عن الصلوات وجميع الواجبات، فإذا قرب منه الموت وعلمه وتحقّقه تاب ورجع من سيّئ أفعاله وأناب، وكان هذا خارجا من الحكمة ومجانبا للبليّة، وسببا لكثرة الفساد، ومسقطا لحقوق اللّه وحقوق العباد، وإغراء بالمعصية، فصحّ أن اللّه تعالى أخفى وقت الساعة، ووقت هجوم الموت لصلاح العباد.
  واعلم أن الغفلة ونسيان الموت(٢) وطول الأمل أضرّ ما يكون على الإنسان؛ ولأن ذلك يدعو إلى اتّباع الهوى، وبيع الباقي بما يزول ويفنى. وقد روي عن رسول اللّه ÷ أنه قال: «أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل، أما الهوى فيضل عن الحق، وأما طول الأمل فيصد عن الآخرة، وهذه الدنيا مرتحلة ذاهبة، والآخرة قادمة؛ ولكل واحد منهما بنون، فإن استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة فافعلوا، وأنتم اليوم في دار عمل ولا حساب، وأنتم غدا في دار حساب ولا عمل، وأنتم اليوم في المضمار وغدا في السباق، والسابق إلى الجنة، والمتخلّف إلى النار، وبالعفو تنجون، وبالرحمة تدخلون، وبأعمالكم تقتسمون».
(١) في (أ): ويسهى. وفي (ش): ويسهو.
(٢) في (ص، م): والنسيان للموت.