حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الآجال

صفحة 350 - الجزء 1

  خلق الدنيا وما فيها عبثا - تعالى اللّه عن ذلك.

  ألا ترى أن إنسانا لو بنى دارا وأكملها، فلما تمّت وكملت هدمها لغير معنى، ألا ترى أنه يكون عابثا؟ فإن هدمها لفساد فيها، أو لأن يعمر⁣(⁣١) خيرا منها أن ذلك يكون منه حسنا، فلو لم تكن دار غير هذه الدار، يثاب فيها الأبرار، ويعاقب فيها الفجار، لكان ذلك ضد العدل والحكمة، وكان عبثا - تعالى اللّه عن ذلك - فصحّ أن الآخرة آتية لا شك فيها ولا ريب، ولا خلف ولا كذب.

  واعلم أن للنشور بعد الموت دليلين مبيّنين، وشاهدين في الشاهد منيرين وهما: استيقاظ النائم بعد النوم من المنام، وحياة الأرض الميتة بالماء، فإن الإنسان إذا نام يصير مثل الميت لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر، ولا يدري ما يفعل به، ولا في أيّ موضع هو، ولا يبقى فيه من الحياة غير النّفس، ثم يستيقظ فيرجع إليه روحه وعقله وذهنه وسمعه وبصره، وكذلك⁣(⁣٢) يبعث اللّه من يموت، قال اللّه تعالى⁣(⁣٣):

  {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى}⁣[الزمر: ٤٢]، فصح أن النوم مثل الموت.

  وأيضا فإن الأرض الميتة تنظرها هامدة لا شجر فيها ولا نبات، فينزل اللّه عليهما الماء، فتنبت به الأشجار والزرع وصنوف الثمار فيحييها اللّه بعد الموت، وتصير مخضرّة بعد الهلاك والفوت⁣(⁣٤)،


(١) في (ع): ولأن يعمر.

(٢) في (ب): فكذلك.

(٣) في (ب، ص، ع): وقد قال اللّه تعالى.

(٤) في (ش): والفوات.