فصل في الكلام في الآجال
  وقد قال اللّه تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ٤٨ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ٤٩ فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الروم: ٤٨ - ٥٠]، وقال تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ٥ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٦ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[الحج: ٥ - ٧]. ففي هذا بيان وكفاية.
  واعلم أن الأمة لم تختلف في أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور، ولم يختلفوا في أن الجنة والنار حقّ، وكذلك أهل الكتابين لم يختلفوا في ذلك. وجحد الكفار البعث والنشور، والحساب، والجنة والنار، إلا فرقة من كفار العرب فإنهم يرون البعث والنشور، وقالوا: من نحرت على قبره(١) ناقة من ماله أتى يوم القيامة راكبا لها، ومن لم تنحر على قبره ناقة أتى ماشيا على رجليه، وقال في ذلك خراشة بن الأصم يوصي ابنه:
  أبني إما أهلكن فإنني ... أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب
  لا تتركن أباك يعثر خلفهم ... تعبا يسير على اليدين وينكب
(١) في (ع): من تنحر على قبره.