فصل في الكلام في الكتاب
  عَنِّي مالِيَهْ ٢٨ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ}[الحاقة: ١٨ - ٢٩]، وقال تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ١٣ اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}[الإسراء: ١٣ - ١٤]، وقال تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ٥٢ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}[القمر: ٥٢ - ٥٣]. فصحّ أن الكتاب هو الكتاب المعقول.
  ومعنى قول اللّه تعالى: {أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} يريد: فعله، خيره وشرّه، وسعادته وشقاوته، قال اللّه تعالى: {قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ ١٨ قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}[يس: ١٨ - ١٩]. وحجّة من قال: (الكتاب(١) هو العلم) قول اللّه تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[الروم: ٥٦]. قالوا: المراد به: لقد لبثتم في علم اللّه. وقد يمكن أن يحمل معنى الآية على هذا، ويمكن أن يكون المراد به: لقد لبثتم فيما وجدنا(٢) في كتاب اللّه الذي هو القرآن أنّكم لبثتم إلى يوم البعث(٣).
  واعلم أن للكتاب في كتاب اللّه أربعة معان: فكتاب وهو العلم، وكتاب وهو الكتاب المكتوب بالقلم - وقد ذكرنا ذلك - وكتاب وهو الفرض؛ قال اللّه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة: ١٨٣]، وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}[البقرة: ٢١٦] يريد: فرض عليكم. وكتاب هو الحكم؛
(١) في (س، ل): إن الكتاب.
(٢) في (أ): فما وجدنا.
(٣) في (ل): أنكم لبثتم إلى يوم القيامة فما وجدنا.