فصل في الكلام في معاني القرآن
  فصحّ أن في الكتاب ما أخفى اللّه على الناس تفسيره، تعجيزا للعباد، وامتحانا لأهل الاجتهاد.
  واعلم أن تفسير غامض القرآن يخرج على ثلاثة وجوه:
  فمنه ما فسّره رسول اللّه ÷ وذلك مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ}[البقرة: ٤٣]، وقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥]، وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧] وأمثال ذلك، فإن هذا الأمر من اللّه تعالى ورد مجملا، وفسّره رسول اللّه ÷.
  ومنه ما يستنبطه الأئمة، ويفسره الأئمة (العلماء)(١) الأتقياء، قال اللّه تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣].
  ومنه ما يرجع فيه إلى أهل اللغة، وذلك مثل قول اللّه تعالى: {فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}[البقرة: ١٧٥] فهذا اللفظ لفظ التّعجّب، واللّه تعالى يجلّ من أن يتعجّب؛ لأنه لا يتعجب من شيء إلا من يجهل وقوعه، أو كان عاجزا عن فعل مثله؛ فهذا معناه: فما اضطرّهم على النار، وليس بتعجّب، قال الشاعر:
  قلت لها أصبر هذا بنا(٢) ... أمثال بسطام بن قيس قليل(٣)
(١) ساقط في (ب، ع، د).
(٢) في (ش): قلت لها: أصيّرها دائبا.
(٣) قوله: (أصبر): أفعل، كأكرم، ومعناه: اضطر هذا الشخص بنا والتجأ إلينا لعدم وجود أمثال بسطام. تمت.