حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في معاني القرآن

صفحة 392 - الجزء 1

  فصحّ أن في الكتاب ما أخفى اللّه على الناس تفسيره، تعجيزا للعباد، وامتحانا لأهل الاجتهاد.

  واعلم أن تفسير غامض القرآن يخرج على ثلاثة وجوه:

  فمنه ما فسّره رسول اللّه ÷ وذلك مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ}⁣[البقرة: ٤٣]، وقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}⁣[البقرة: ١٨٥]، وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}⁣[آل عمران: ٩٧] وأمثال ذلك، فإن هذا الأمر من اللّه تعالى ورد مجملا، وفسّره رسول اللّه ÷.

  ومنه ما يستنبطه الأئمة، ويفسره الأئمة (العلماء)⁣(⁣١) الأتقياء، قال اللّه تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}⁣[النساء: ٨٣].

  ومنه ما يرجع فيه إلى أهل اللغة، وذلك مثل قول اللّه تعالى: {فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}⁣[البقرة: ١٧٥] فهذا اللفظ لفظ التّعجّب، واللّه تعالى يجلّ من أن يتعجّب؛ لأنه لا يتعجب من شيء إلا من يجهل وقوعه، أو كان عاجزا عن فعل مثله؛ فهذا معناه: فما اضطرّهم على النار، وليس بتعجّب، قال الشاعر:

  قلت لها أصبر هذا بنا⁣(⁣٢) ... أمثال بسطام بن قيس قليل⁣(⁣٣)


(١) ساقط في (ب، ع، د).

(٢) في (ش): قلت لها: أصيّرها دائبا.

(٣) قوله: (أصبر): أفعل، كأكرم، ومعناه: اضطر هذا الشخص بنا والتجأ إلينا لعدم وجود أمثال بسطام. تمت.