حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في اختلاف الناس في النبيء ÷

صفحة 428 - الجزء 1

  بالتكليف العقلي، فكما كان في التكليف العقلي صلاح للعقلاء⁣(⁣١) كذلك التكليف الشرعي، ولما لم يكن التكليف الشرعي يحصل إلا بالإرسال⁣(⁣٢) من اللّه تعالى وجب إرسال الرسل.

  والحجة على الذين أقروا بآدم # أقرب، وذلك أنه إذا كان في نبوءة آدم وشيث صلاح فكذلك سائر الرسل.

  وأما قولهم: (إن العالم الحكيم لا يرسل الرسل وهو يعلم أنه يعصى). فالحجة [عليهم]⁣(⁣٣) أنه لما جاز أن يكلّف اللّه عباده التكليف العقلي، وأراد منهم العمل بما كلّفهم - وهو يعلم أن بعضهم يعمل بما كلّفه وينتفع به، وبعضهم لا يعمل بما أراد منه⁣(⁣٤) ولا ينتفع به - فكذلك التكليف الشرعي يجوز أن يرسل اللّه الرسل إلى عباده وهو يعلم أنّ منهم من يطيع وينتفع ومنهم من لا ينتفع ولا يطيع، ولولا إرسال اللّه الرسل لما تبيّن المطيع من العاصي، ولو عذّب اللّه العاصي ولم يرسل إليه رسولا لقال: لو جاءني رسول لأطعت ولعملت ما أمرت به. وقد قال اللّه تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى}⁣[طه: ١٣٤].

  وأيضا فإن اللّه تعالى ما خلق المتعبّدين إلا للعبادة، وقد علم أن أكثرهم لا يعبدونه، فلم يمنعه علمه بمعصية من يعصيه عن خلق المتعبّدين، وتعبدهم لما علم أنه يلحق المطيعين من الصلاح والانتفاع؛


(١) في (ص): صلاح العقلاء.

(٢) في (ع): إلا بالرسالة.

(٣) زيادة في (ض).

(٤) في (ش، ص): ما أراد منه. وفي (س): ما أريد منه.