حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في خطايا الأنبياء $

صفحة 431 - الجزء 1

  صدّقوا وخافوا العذاب، فآمنوا به وجأروا إلى اللّه بالدّعاء والتوبة، فرفع اللّه عنهم العذاب⁣(⁣١)، فلما كان بعد ثلاثة أيّام أتى يونس # لينظر كيف كانت مصيبتهم من اللّه تعالى، فأتى وهم سالمون، فاغتمّ لذلك، وأبق خوفا من أن يكذّبوه واستعجل ولم ينتظر الوحي من ربه، فكان من أمره ما حكاه اللّه [تعالى]، وقد قال اللّه لنبيّنا ÷:

  {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ ٤٨ لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}⁣[القلم: ٤٨ - ٤٩]، فبيّن أن فعله كان مكروها ومذموما؛ ولأنه نهى نبيئنا ÷ أن يكون مثله، وليس ينهاه إلا عن مذموم، فكان ذنبه الاستعجال، وترك الانتظار لوحي ربه.

  وكذلك كانت معصية آدم # استعجاله في أكل الشجرة قبل أن ينزل إليه وحي ربه. وقال تعالى في داود وتأويله الذي ظن أنه جائز له:

  {وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ٢١ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ ٢٢ إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ ٢٣ قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ}⁣[ص: ٢١ - ٢٤]، فكان فعاله في ذلك مذموما، فتاب منه وندم.

  وقد روي عن نبيئنا محمد ÷ أنه قال: «أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء قبلي: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا،


(١) في (ص، ب، ع): فرفع اللّه العذاب منهم.