فصل في الكلام في اختلاف الأمة في إمامة علي بن أبي طالب #
  فقال لهم عليّ: (إنها كلمة حق يراد بها باطل) فلم يقدموا عليهم بعد ذلك، فأقبل على أمير المؤمنين # أصحابه وسألوه المحاكمة فقال:
  أنا أحكّم عبد اللّه بن العباس(١). فأبوا إلا أبو موسى الأشعري لعنه اللّه.
  وحكّم معاوية عمرو بن العاص لعنهما اللّه، فخدع أبا موسى الأشعري وقال: إن عليّا ومعاوية قد سفكا دماء المسلمين، وشقّا العصا، وأهلكا الناس، وأنا أرى أن تخلع صاحبك عن الأمر، وأخلع صاحبي. فساعده أبو موسى إلى ذلك، وقدّمه عمرو فقال للناس: إنه قد خلع عليّا عن الأمر، وقال عمرو: قد ولى(٢) معاوية الأمر، فقال أبو موسى له: خدعتني. فأجازها عليه. فافترقت أصحاب علي #، فاستقام معه المخلصون للّه، ونفر عنه أكثر الناس، فاختلفت الناس في الحكمين على خمس مقالات:
  فقالت الخوارج: الحكمان قد كفرا، وكفر عليّ #(٣) حين حكّمهما، وعلتهم قول اللّه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]، وفي تكفير علي # بتركه القتال، وقد قال اللّه تعالى: {فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات: ٩] وترك القتال كفر.
  وقالت الإمامية: إن عليّا # حكّم للتّقية، والتّقية تسعة لما يخاف(٤) على نفسه، واعتلوا أن رسول اللّه ÷ قد كان للتّقية يكتم الدين في أول أمره.
(١) في (ض): عبد اللّه بن العباس وأصحابه. وفي (ع): عبيد اللّه بن العباس. وهو خطأ.
(٢) في (س): قد وليت. وفي (م): قد ولي.
(٣) في (ع): وكفروا عليا #.
(٤) في (ب، ع، د): لما خاف.