حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الأرض

صفحة 94 - الجزء 1

  الآخرة قبلها حركة فهي محدثة لتقدّم غيرها عليها، وكذلك سائر الحركات. وكذلك قول بلعام: الحركة الأولى هي الحركة الأخرى معادة، فهذا إقرار منه بحدث الحركات⁣(⁣١)؛ لأن كل شيء له أول وآخر فهو محدث. وقوله: (معادة) إقرار بأن لها معيدا. فلما كانت الحركة والسكون حالتين حادثتين، ثبت حدوث الطبائع؛ لأنها لا تخلو من أن تكون الحركة والسكون، أو تكون المتحرك الساكن. فإن كانت أجساما متحركة وساكنة، فالحركة والسكون دليل على حدثها؛ لأنها لا تخلو من الحركة والسكون، وإن كانت الأعراض الحركة والسكون فقد بيّنا حدث الحركة والسكون؛ لأنّا رأينا الشيء في زمان ساكنا ثم رأيناه في زمان متحركا، ثم رأيناه متحرّكا بعد السكون، فصحّ حدث الحركة والسكون، وهذا مشاهد بيّن لا إشكال فيه⁣(⁣٢).

  ودليل آخر: أن كل واحد من هذه الطبائع لا يخرج مما ركّب عليه من الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وإذا كانت لا تخرج مما ركّبت عليه صحّ أنها لا تملك أنفسها فكيف تدبّر غيرها؟! وأيضا فلها حدّ لا تتجاوزه، ولا تنقص منه، ولا تزيد عليه، وبعضها ضدّ لبعض ومعدّل لبعض؛ فصح أنها لا تصنع شيئا، وأن المضادّ بينها والمعدّل⁣(⁣٣) لبعضها ببعض غيرها، فثبت أنها مقدّرة مدبّرة، فبطل ما قالوا.


(١) في (أ، ي): بحدوث الحركات.

(٢) في (ش): بلا إشكال فيه.

(٣) في (أ): وأن المضاد بينهما المعدل. وفي (ج): وأن المضاد منها والمعدل.