فصل في الكلام في الجسم والعرض
  قائما بنفسه، ومنها أنه يكون محدودا(١) بالجهات السّت التي هي فوق وتحت، وقدّام وخلف، ويمين وشمال. فما كان من المصنوعات بهذه الصفات فهو جسم، وما لم يكن بهذه الصفات فهو عرض، إذ لا يوجد شيء من المصنوعات ولا يعلم إلا جسما أو عرضا. وقد أثبت بعض المعتزلة جوهرا لا جسما ولا عرضا، وقالوا: هو الأجزاء المتماثلة الشّاغلة للمكان. ومعنى المتماثلة عندهم: أن يسدّ الجزء مسدّ الجزء الآخر، وهذا شيء لا يعقل ولا يعلم.
  واعلم أن الغرض المقصود في ذكر الأجسام والأعراض هاهنا أن يفرق بين الجسم والعرض، وبين أفعال اللّه وأفعال خلقه.
  فأما الأجسام فقد تكلمنا فيها بما فيه كفاية، وهذا موضع الكلام في الأعراض فنقول:
  إنّ العرض سمّي عرضا لاعتراضه في الأوهام؛ ولأنه لا يوجد منفردا من الأجسام؛ ولأنه يضعف عن القيام بنفسه، ويزول بضدّه، وقد سمّى اللّه سبحانه وتعالى متاع الحياة الدنيا عرضا، لضعفه وزواله، قال تعالى: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا}[النساء: ٩٤]، فلذلك(٢) سمّي العرض عرضا وهو على وجهين: ضروريّ واختياريّ، فالضروريّ فطرة من فطرة اللّه سبحانه، والاختياريّ من فعل العبد.
  فكل ما كان يوجد ضرورة لا يمكن(٣) الإنسان ردّه فهو العرض
(١) في (ب): ومنها: أن يكون محدودا.
(٢) في (ش، م، س): ولذلك.
(٣) في (ش، م، ل): ولا يمكن.