فصل في الكلام في أن الله عالم حكيم
  هي غيره، قادر بقدرة هي غيره وهي الاستطاعة. وليس العبد يسمّى حيّا قادرا إلا على المجاز في بعض الوجوه، وإنما هو محيا ومقدر؛ لأن اللّه تعالى جعله حيّا قادرا، وجعله سميعا بصيرا. ألا ترى أنه خلق له آلة السّمع والبصر، قال عزّ من قائل: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً}[الإنسان: ٢]، واللّه سميع بصير على الحقيقة، حيّ قادر على الحقيقة.
  وحياة العبد، وقدرته ناقصتان؛ لأن حياته تعود إلى الموت، وقدرته ترجع إلى العجز. ألا ترى أنه لو اجتمع الخلق، وتظاهروا على أن يخلقوا بعوضة، أو أن يحيوا ميّتا(١) أو يدفعوا الموت عمّن أراد اللّه موته ما قدروا ولا استطاعوا ذلك، فصحّ أن اللّه الحيّ القادر على الحقيقة، وغيره حيّ قادر على المجاز في بعض الوجوه، فهذا الفرق البيّن.
فصل في الكلام في أن اللّه عالم حكيم
  اعلم أنا لما رأينا هذا العالم قد قدّر وجعل كلّ شيء منه في موضعه، وأعدّ كلّ أمر منه لشأنه، ورأينا هذا الصّنع المشاهد حسن التقدير، محكم التّدبير، لا خلل فيه ولا تفاوت؛ علمنا أن صانعه عالم حكيم.
  ونظرنا في خلق الإنسان، ورزقه، من ابتدائه إلى انتهائه، فإنه عندما
(١) في (ش): ويحيوا ميتا. زفي (ض): وأن يحيوا ميتا.