حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

(8) باب حقيقة معرفة البلاء

صفحة 311 - الجزء 1

(٨) باب حقيقة معرفة البلاء

  وأصل البلاء الاختبار، وهو على أفنان كثيرة.

  فمنها بلاء التّعبد؛ وهو الأمر بفعل الواجبات، والنهي عن فعل المحرّمات، وفائدته أن يعرّض اللّه المتعبّدين لثوابه، ويخوّفهم من عقابه؛ قال اللّه تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}⁣[الملك: ٢]، فصح أن الدنيا دار بلاء، وأن الحياة والموت بلاء.

  ومن البلاء: النعم التي تفضّل اللّه بها على العباد، قال اللّه تعالى - حاكيا عن سليمان #: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}⁣[النمل: ٤٠]، وقال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}⁣[الفجر: ١٥].

  ومن البلاء: التمحيص للعبد المؤمن قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ}⁣[آل عمران: ١٤١]، وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}⁣[البقرة: ١٥٥]، وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ}⁣[الأنبياء: ٣٥]، وقال تعالى: {إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}⁣[التغابن: ١٥]، والفتنة من التمحيص. وقال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}⁣[البقرة: ١٩١]، وذلك لأن القتل في سبيل اللّه حسن، والفتنة تمحيص؛ قال اللّه تعالى:

  {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}⁣[التوبة: ٥٢]، فسمّى الشهادة حسنا.