فصل في الكلام في الأرض
فصل في الكلام في الأرض
  ونظرنا إلى هذه الأرض، وما فيها من الطول والعرض، وكم عسى أن نصف مما قد جعل اللّه فيها من العجائب، والأمر البديع والغرائب.
  قد وضع كلّ شيء منها في مكانه، وأعدّ كل أمر منها لشأنه.
  وجملة الأمر أن كل شيء منها قد جعل لمصلحة - عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها - من الحيوان والطّين والماء والأشجار والحجارة - وما كان من جنسها - والنار. ونظرنا فإذا هي بعيدة الأطراف، ومتراكمة الأرداف(١)، ثقيلة طويلة، عريضة عميقة، ومن بعدها أنه ما أخبر أحد من الآدميين أنه بلغ حدّها، إلا ما حكاه اللّه من ذي القرنين(٢)، وكان ذلك معجزا، وكان له من اللّه تأييدا بسبب نبيء كان معه. ومن عمقها أنه ما خرقها أحد؛ وقد قال اللّه تعالى:
  {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا}[الإسراء: ٣٧].
  ونظرنا فإذا هي على الماء مبسوطة، وفي الهواء معلّقة منوطة.
  وممّا دلّنا على أنها على الماء مبسوطة أن البحار بها محيطة، وأنها تتفجّر الأنهار من خلالها، ويوجد الماء أينما حفر من سهولها، وجبالها، قريبا وبعيدا، إلا في المواضع التي لا يمكن حفرها لشدّتها، ولبعد مائها، وارتفاعها، وقد قال اللّه تعالى: {وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ}[هود: ٧].
(١) في (ص، ع، س، ش): متراكمة الأطراف.
(٢) في (ش، ي): عن ذي القرنين.