نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر،

يوسف بن يحيى المؤيد (المتوفى: 1121 هـ)

[6] أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمداني

صفحة 140 - الجزء 1

  وكان شجاعا أديبا، فلما تسلّط محمود على ملوك الإقليم كتب إليه أنه يقيم له الخطبة في مملكته فأبت عليه سؤرة الشباب وعزّة الملك، وأجاب أقبح جواب، فجهّز إليه محمود الجيوش العظيمة من الفراغنة⁣(⁣١) والهنود والخراسانية فحاربوه فظهرت شهامته وقتل منهم الكثير في تلك العقاب، ثم حصروه أخيرا في حصنه السامي واستولى الحصار على ذخيرته بعد فناء رجاله وأسروه، وأرسل محمود غلاما يثق به ليسيّر غرشستان إليه، فلما وصل الغلام إلى الملك لم يحترمه كما ينبغي، فحقد عليه، واتفق أن الغلام كانت له زوجة بغزنة فأحب أن يكتب إليها ويبشرها بسلامته ولم يجد كاتبا في الحال إلّا الملك الأسير، فناوله القلم والقرطاس وأمره أن يكتب البشارة، فأخذ القرطاس اضطرارا وكتب ما صورته:

  أيتها القحبة الرحبة، أما بعد، فإنه ما خفي عليّ من أفعالك القبيحة وإدخالك الرجال إلى فراشي، وشرب المسكرات معهم بالعشي والصباح شي، وساعة أرد عليك ترين ما أصنع بك وأدّق يديك مع رجليك، وأعصر صلبك مع ساقيك، وأقسم باللّه لأجعلنك نكالا لذوات الحجال، ولأنزلن بك وبأمّك وأبيك أنواع النكال، وأمثال هذا التهديد، ثم طوى الكتاب وختمه، وناوله الغلام فطيّر به بعض ثقاته إلى غزنة، ولم يعلم أنه حمل صحيفة المتلمس.

  فلما وصل الكتاب إلى تلك المسكينة قامت قيامتها، وطار عقلها، وارتفع صياحها، ولم تشك في نزول البلاء، وإن بعض أعدائها وشى عليها، ولم تجد هي وأمها وأبوها أنفع لهم من الاستتار والاختفاء، فاختفوا في بيوت بعض أهل المدينة.

  وأما الغلام الأبله فإنه وافى بملك غرشستان إلى حضرة السلطان محمود نيسابور وكان مقيما بها، فلما دخل عليه وبخّه على العصيان وترك طاعته كسائر ملوك خراسان، ثم أمر أن يجرّد من ثيابه ويضرب تأديبا على سوء أدبه في كتابه، ففعل به ذلك وأخذ جميع ماله وحبسه، فهان عليه بعد زوال الملك وعزّة التيجان ما سلبه من الجواهر النفيسة والديباج والعقيان، ولم يطلب مما أخذ عليه في تلك الحال إلّا غلاما له قد فضح بقدّه وجيده الغصن والغزال وكان يحبه، وما الملك عنده إلّا قربه، فأرجع له وسكن بقربه الولد.


(١) في هامش الأصل: «الأفاغنة».