[11] أبو الطيب، أحمد بن الحسين بن عبد الصمد
  بالمجنون، فألجأته الضرورة إلى دخولها للتداوي، فدخلها وكان المتنبي يسمع بكرمه ويحب أن يمتدحه ويخاف كافورا لما يعلم من حسده لفاتك وعدواته له، فلقيه فاتك مصادفة فمال إلى المتنبي ولاطفه، ولما عاد إلى داره بعث إليه بألف دينار وفرسا هدية، فاستأذن كافورا في مدحه، فأذن له فمدحه بالقصيدة اللامية المشهورة وذكرت في مطلعها العجز عن المكافأة بالهدية إلّا من لؤلؤء الفكرة وهو:
  لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
  واتفقت وفاة فاتك في عشيّة ليلة الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمسين وثلاثمائة، فرثاه بقصيدة أجاد فيها على عادته، ومن أوائلها:
  الحزن يقلق والتجمّل يردع ... والدّمع بينهما عصيّ طيّع(١)
  إنّي لأجبن عن فراق أحبّتي ... وتحسّ نفسي بالحمام فأشجع(٢)
  ويزيدني غضب الأعادي قسوة ... ويلمّ بي عتب الصّديق فأجزع
  تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... غمّا مضى منها وما يتوقّع
  ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع
  أين الذي الهرمان من بنيانه، ... ما قومه، ما يومه، ما المصرع؟
  تتخلّف الآثار عن أربابها ... حينا ويدركها الفناء فتتبع
  ومنها:
  كنّا نظنّ دياره مملوءة ... ذهبا فمات وكلّ دار بلقع
  وإذا الصّوارم والمكارم والقنا ... وبنات أعوج كلّ شيء يجمع(٣)
  أيموت مثل أبي شجاع فاتك ... ويعيش حاسده الخصيّ الأوكع(٤)
  وهي طويلة مشهورة، ومثل قوله: «تتخلف الآثار عن أربابها» قول الوزير
(١) التجمل: التصبر. يقول: الحزن يقلق صاحبه والتصبر يردعه عن الحزن والدمع بين هاتين الحالتين يعصي صاحبه عند التصبر فيحتبس ويطيعه عند الحزن فينسكب.
(٢) يعني أن الفراق عنده أعظم من الموت.
(٣) بنات أعوج: خيل تنسب إلى أعوج وهو فحل مشهور من خيل العرب، يعني أن داره كانت تجمع هذه الأشياء فيها دون الذهب فإنه كان يبدده بالعطايا.
(٤) أراد بحاسده كافورا. الأوكع: الذي أقبلت إبهام رجله على السبابة، ويقال عبد أوكع أي لئيم.
والقصيدة كاملة في ديوانه ٤٩١ - ٤٩٤.