نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر،

يوسف بن يحيى المؤيد (المتوفى: 1121 هـ)

[29] الصاحب أبو القاسم، إسماعيل بن أبي الحسن

صفحة 343 - الجزء 1

  قال: وكان الصاحب في الصغر إذا أراد أن يمضي إلى المسجد تعطيه والدته دينارا أو درهما كل يوم وتقول له تصدّق بهذا على أوّل فقير يلقاك، فجعل هذا دأبه في شبابه إلى أن كبر وتوفيّت والدته وهو على هذا يقول للفراش كل ليلة: اطرح تحت المطرح دينارا أو درهما لئلا ينسى، فبقي على هذا مدة، ثم أن الفراش نسي ذلك ليلة من الليالي فانتبه الصاحب وصلّى وقلب المطرح ليأخذ الدينار والدرهم فما رآهما، فتطيّر من تلك وظن أنه لقرب أجله، وقال للفراشين:

  شيلوا كل ما هنا من الفراش وأخرجوه واعطوه لأوّل فقير تلقونه حتى يكون كفّارة التأخير هذا، فلقوا فقيرا أعمى هاشميا على يد امرأة وهو يبكي، فقالوا: أتقبل هذا؟ فقال: وما هو؟ قالوا: مطرح ديباج، ومخاد ديباج، فأغمي عليه، فأعلموا الصاحب بأمره، فأحضروه، وسقاه شرابا بعد ما رشّ عليه بالماء حتى أفاق، ثم سأله، فقال: سلوا هذه المرأة إن لم تصدقوني، فقال له: إشرح، فقال: أنا رجل شريف ولي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوّجناه، ولي سنتان آخذ القدر الذي يفضل من قوتنا اشتري لها به قطعة صفراء وطفريه⁣(⁣١) وما أشبه، فلما كانت البارحة قالت أمها اشتهيت مطرح ديباج ومخاد ديباج، فقلت: من أين لي ذلك، وجرى بيني وبينها خصومة إلى أن سألتها أن تأخذ بيدي وتخرجني أمضي على وجهي، فلما قال لي هؤلاء الكلام حق لي أن يغشى علي. فقال الصاحب: لا يكون الديباج إلّا مع ما يليق به، هاتوا الأنماطيين فجيء بهم، واشترى منهم الجهاز الذي يليق بذلك، وأحضر زوج الصبيّة، ودفع له بضاعة سنية.

  وحدثني أبو منصور البيع، قال: دخلت يوما على الصاحب فأطلت الحديث، فلما قمت قلت: لعلّي طوّلت، قال: بل تطوّلت⁣(⁣٢).

  قلت: وأحسب أن الشاعر أخذ هذا المعنى في قوله:

  قلت: ثقّلت إذ أتيت مرارا ... قال: ثقّلت كاهلي بالأيادي

  قلت: طوّلت، قال: لا بل تطوّ ... لت وأبرمت، قال: حب ودادي

  وحكي: أن الصاحب استدعى شرابا، فناوله غلام قدح شراب مسموم، فقال له أحد خواصّه إنه مسموم، وكان الغلام الذي ناوله واقفا، فقال له


(١) هكذا في الأصل.

(٢) يتيمة الدهر ٣/ ١٩٤.