[46] القاضي شرف الدين الحسن بن القاضي جمال
  فسجد، فقيل: يا أبا فراس ما تصنع؟ قال: أنا أعرف سجدة الشعر كما تعرفون سجدة القرآن.
  وفي اعتقادي أن اليمن لم يلد أشعر منه من أوّل الدهر إلى وقته، ومن قرأ ديوانه صدّقني إن لم يكن متعصّبا، ولا أبو عبد اللّه الحسين بن القاسم شاعر بني الصليحي فإنما جاء بأبيات قليلة مستجادة كقوله في الداعي سبأ بن أحمد(١):
  ولما مدحت الهزبريّ(٢) بن أحمد ... أجاز وكافاني على المدح بالمدح
  وعوّضّني شعرا بشعري وزادني ... نوالا فهذا رأس مالي وذا ربحي
  إستجاد هذا جماعة من الأدباء، منهم ابن خلكان(٣).
  وأنا أقول: إنما استمدّه من أبي عبادة البحتري فإنه دخل إلى حلب وبها هاشمي كريم يعرف بسليمان بن طاهر وقد أنفذ ماله ورباعه وضياعه في المكارم، فأنفذ إليه البحتري أبياتا يمدحه فيها، فلما قرأها باع داره وأنفذ له ثمنها مائتي دينار وكتب معها:
  لو يكون الحبا حسب الذي أن ... ت لدينا له محل وأهل
  لحثوت اللجين والدرّ والياقو ... ت حثوا وكان ذاك يقلّ
  والصديق الأديب يسمح بالعذ ... ر إذا قصّر الصديق المقلّ
  فردّ البحتري الدنانير وكتب معها:
  بأبي أنت للبرّ أهل ... والمساعي بعد وسعيك قبل
(١) سبأ بن أحمد بن المظفر بن علي الصليحي: من أصحاب اليمن. تولاها بعد وفاة «المكرم» وبعهد منه، سنة ٤٨٤ هـ. قال الخزرجي: كان شجاعا جوادا كريما فصيحا، دميم الخلق، قصيرا. استمر إلى أن مات بحصنه «أشيح» سنة ٤٩٢ هـ، وفيه وفي حصنه، يقول الحسن بن قاسم الزبيدي، من أبيات:
«إن ضامك الدهر، فاستعصم بأشيح»
أو:
«... نابك الدهر، فاستمطر بنان سبا»
ترجمته في: العسجد المسبوك - خ. ومعجم البلدان ١: ٢٦٤، وفيات الأعيان ٢/ ٢٣٧، وأنظر طائفة من أخباره في تاريخ اليمن لعمارة ٦٤ - ٦٩، الاعلام ط ٤/ ٣ / ٧٦.
(٢) في الوفيات: «الهبزري».
(٣) وفيات الأعيان ٢/ ٣٣٧.