[93] الخليفة المأمون، أبو الفضل وأبو العباس،
  وله أيضا وكانت أمه أم ولد اسمها مراجل:
  لا تنقص المرء قدرا أن تكون له ... أم من الروم أو سوداء عجماء
  وإنما هنّ للأولاد أوعية ... مستودعات وللأبناء آباء
  وله في وصف رقعتها:
  أرض مربّعة حمراء من أدم ... ما بين إلفين مخصوصين بالكرم
  تذاكرا الحرب فاحتالا لها مثلا ... من غير أن ياثما فيها بسفك دم
  هذا يكرّ على هذا وذاك على ... هذا يغير وعين الحزم لم تنم
  فانظر إلى حكمة جاشت بمعرفة ... من عسكرين بلا بوق ولا علم
  وقيل: إن المأمون شرب يوما ومعه يحيى بن أكثم فمال السّاقي على القاضي حتى وقع سكرا، فأمر المأمون أن يلقى عليه الورد والرياحين حتى يدفن فيها كأنه ميت، وصنع بيتين من الشعر وقال لجاريته: خذي العود وغني على رأسه بشعري:
  ناديته وهو ميت لا حراك به ... مرسّل في ثياب من رياحين
  فقلت: قم، قال: رجلي لا تطاوعني ... فقلت: خذ، قال: كفّي لا يواتيني
  فاستيقظ القاضي عند رنّة العود والجارية تغنّي بالبيتين وقام فقال:
  يا سيّدي وأمام الناس كلّهم ... قد جار في حكمه من كان يسقيني
  سقاني الراح لم تمزج سلافتها ... فبتّ منها سليب العقل والدين
  فخذ لنفسك قاضي إنني رجل ... الراح يقتلني والعود يحييني
  وهي قصة طويلة رواها كما مرّ ابن خلكان(١).
  وفي سنة ثمان ومائتين سار المأمون من بغداد غازيا للروم واستخلف بها إسحاق بن إبراهيم بن مصعب(٢) وولّاه مع ذلك السواد وحلوان وكور الدجلة
(١) وفيات الأعيان: ٦/ ١٥٠.
(٢) إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب، المصعبي الخزاعي، أبو الحسن: صاحب الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل. وكان وجيها مقربا من الخلفاء، ذا رأي وشجاعة، استخلفه المأمون على بغداد حين برحها لغزو الروم سنة ٢١٥ هـ وأضاف إليه ولاية السواد وحلوان وكور دجلة. وعقد له المعتصم على الجبال سنة ٢١٨ وسيره في جيش كبير لقتال أصحاب بابك الخرميّ فأوقع بهم في أطراف همذان وعاد ظافرا. وحج سنة ٢٣٠ هـ فولي أحداث الموسم. ولما مرض أرسل إليه المتوكل ابنه المعتز يعوده، وجزع المتوكل لموته. مات في بغداد سنة ٢٣٥ هـ.