إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(50) شرح إعراب سورة ق

صفحة 150 - الجزء 4

  {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ١٩}

  {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} أي شدّته وغلبته على فهم الإنسان حتّى يكون كالسكران من الشراب أو النوم. {بِالْحَقِ} أي بأمر الآخرة الذي هو حقّ حتّى يتبيّنه عيانا، وقول أخر أن يكون الحقّ هو الموت أي وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت. وصحّ عن أبي بكر الصديق ¥ أنه قرأ وجاءت سكرة الحقّ بالموت⁣(⁣١) وكذا عن عبد الله بن مسعود رحمة الله عليه. قال: وهذه قراءة على التفسير. وفي معناها قولان: يكون الحقّ هو الله جلّ وعزّ أي وجاءت سكرة الله بالموت، والقول الآخر قول الفراء تكون السّكرة هي الحق، وجاءت السكرة الحقّ أضيف الشّيء إلى نفسه. {ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أي تلك السكرة ما كنت منه تهرب. فأما التذكير فبمعنى ذلك السّكر.

  {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ٢٠}

  أي ما وعد الله ø الكفار وأصحاب المعاصي بالنار.

  {وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ٢١}

  محمول على المعنى، ولو كان على اللفظ لكان وجاء كلّ نفس معه والتقدير ومعها حذفت الواو للعائد؛ والجملة في موضع نصب على الحال.

  {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ٢٢}

  {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا} اختلف أهل العلم في هذه المخاطبة لمن هي فقالوا فيها ثلاثة أقوال: قال زيد بن أسلم وعبد الرحمن بأنّ هذه المخاطبة للنبيّ ، وحكى عبد الله بن وهب عن يعقوب عن عبد الرحمن قال: قلت لزيد بن أسلم وهذه المخاطبة للنبيّ فقال: ما أنكرت من هذا وقد قال الله سبحانه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى}⁣[الضحى: ٦، ٧]. قال: فهذا قول، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا} قال: هذا مخاطبة للكفار، وكذا قال مجاهد، وقال الضحاك: مخاطبة للمشركين؛ وقال صالح بن كيسان بعد أن أنكر على زيد بن أسلم ما قاله، وقال: ليس عالما بكلام العرب ولا له وإنما هذه مخاطبة للكفار. فهذان قولان، والقول الثالث ما قاله الحسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: هذا مخاطبة للبرّ والفاجر، وهو قول قتادة. قال أبو جعفر: أما قول زيد بن أسلم فتأويله على أن الكلام تم عنده عند قوله جلّ وعزّ: {وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ٢١}


(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٧٨، والمحتسب ٢/ ٢٨٣.