إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(50) شرح إعراب سورة ق

صفحة 153 - الجزء 4

  ترك لنا دارا حتّى باعها وقت الهجرة فهذا قول، والقول الآخر فهل من مزيد على الاستدعاء للزيادة. وهذا قول أنس بن مالك، ويدلّ عليه الحديث الصحيح عن النبيّ : «لا تزال جهنّم تقول هل من مزيد فيقول ربّ العالمين سبحانه وتعالى فيجعل قدمه فيها فيقول قط قط»⁣(⁣١). قال أبو جعفر: فهذا الحديث صحيح الإسناد، ويدلّ على خلاف القول الأول. والله جلّ وعزّ أعلم.

  {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ٣١}

  أي قريب للمتقين، أي للمتقين معاصي الله جلّ وعزّ.

  {هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ٣٢}

  {هذا ما تُوعَدُونَ} أي: هذا الذي وصفناه للمتّقين الذي توعدون {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} قال ابن زيد لكل تائب راجع إلى الله لطاعته: وعن ابن عباس {أَوَّابٍ} مسبّح، وعنه {حَفِيظٍ} حفظ ذنوبه حتّى تاب منها. وقال قتادة: «حفيظ» حافظ لما ائتمنه الله جلّ وعزّ عليه، ومعنى هذا أنه حفظ جوارحه عن معاصي الله تعالى.

  {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ٣٣ ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ٣٤}

  {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ} في موضع خفض على البدل من «كلّ» ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء و {خَشِيَ} في موضع جزم بالشرط، والتقدير: {خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} فيقال لهم: {ادْخُلُوها} على معنى من، وما قبله على لفظها و {مُنِيبٍ} تائب راجع إلى الله جلّ وعزّ {ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} أي ذلك الذي وصفناه للمتقين يوم لا يزولون عنه.

  {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ ٣٥}

  {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها} أي لهم ما يريدون وزيادة في الكرامة وفسّر أنس بن مالك معنى {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} فلما لا يجوز أن يؤخذ باقتراح ولا يؤخذ إلّا عن النبيّ # في {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} قال: قال: «يتجلّى لهم ربّ العالمين فيقول وعزّتي لأتجلّينّ لكم حتّى تنظروا إليّ فيقول: مرحبا بعبادي وجيراني وزواري ووفدي انظروا إليّ»⁣(⁣٢) فذلك نهاية العطاء وفضل المزيد.


(١) أخرجه الترمذي في سننه (٣٢٧٢)، وأحمد في مسنده ٣/ ١٣٤، وذكره ابن حجر في فتح الباري ١١/ ٥٤٥، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٧/ ٢٠٤.

(٢) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (٤٦١٥)، وابن الجوزي في زاد المسير ٨/ ٢١.