إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(51) شرح إعراب سورة الذاريات

صفحة 159 - الجزء 4

  البدل من قوله: {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} وتكلّموا في نصبه فقال الفراء⁣(⁣١): لأنه أضيف إلى شيئين، وأجاز الرفع فيه على أصله. وقال غيره: لأنها إضافة غير محضة. ومذهب الخليل وسيبويه أنّ ظروف الزمان غير متمكنة فإذا أضيف إلى غير معرب أو إلى جملة مثل هذه بنيت على الفتح، وأجازا: مضى يوم قام، وأنشد النحويون وأصحاب الغريب لامرئ القيس: [الطويل]

  ٤٣٤ - ويوم عقرت للعذارى مطيتي⁣(⁣٢)

  بنصب «يوم» وموضعه رفع على من روى «ولا سيّما يوم»⁣(⁣٣) وخفض على من روى «ولا سيّما يوم». قال أبو جعفر: ولا نعلم أحدا رفعه ولا خفضه، والقياس يوجب إجازة هذين. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ١٣} قال: يعذّبون. وقال محمد بن يزيد: هو من قولهم: فتنت الذهب والفضة إذا أحرقتهما لتختبرهما وتخلصهما. وقال بعض المتأخرين: لما كانت الفتنة في اللغة هي الاختبار لم تخرج عن بابها والمعنى عليها صحيح، والتقدير: يوم هم على النار يختبرون فيقال: {ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}⁣[المدثر: ٤٢].

  {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ١٤}

  الذين هم قال مجاهد وعكرمة وقتادة: أي عذابكم {هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} مبتدأ وخبر لأنهم كانوا يستعجلون في الدنيا بالعذاب تهزّؤا وإنكارا.

  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ١٥}

  أي إن الذين اتقوا الله تعالى بترك معاصيه وأداء طاعته في بساتين وأنهار فكذا المتّقي إذا كان مطلقا، فإن كان متقيا للسّرق غير متّق للزنا لم يقل له متّق، ولكن يقال له: متّق للسّرق فكذا هذا الباب كلّه.

  {آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ ١٦}

  {آخِذِينَ} نصب على الحال، ويجوز رفعه في غير القرآن على خبر «إن». فأما معنى {ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ} ففيه قولان: أحدهما في الجنّة، والآخر أنّهم عاملون في الدنيا بطاعة الله سبحانه وبما افترضه عليهم فهم آخذون به غير متجاوزين له كما روي عن ابن


(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٨٣.

(٢) مرّ الشاهد رقم (٢١٤).

(٣) إشارة إلى قول امرئ القيس في معلقته:

«ولا سيّما بدارة جلجل»