إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(51) شرح إعراب سورة الذاريات

صفحة 161 - الجزء 4

  الأحدب على أن المعنى: ومن عند الله الذي في السّماء صاحب رزقكم. وقال قول: كلّ ما كسبه الإنسان سمّي رزقا. وقال قوم: لا يقال رزقه الله جلّ وعزّ إلا كما كان حلالا، واستدلوا على هذا في القرآن فقال الله ø: {وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ}⁣[المنافقون: ١٠] ولا يأمر بالنفقة إلّا من الحلال. واختلف أهل التأويل في {وَما تُوعَدُونَ} فقال الضحاك: الجنّة والنار، وقال غيره: توعدون من وعد، ووعد إنما يكون للخير فما توعدون للخير فأما في الشّرّ فيقال: أوعد، وقال آخرون: هو من أوعد لأن توعدون في العربية يجوز أن يكون من أوعد ومن وعد. والأحسن فيه ما قال مجاهد، قال: ما توعدون من خير وشرّ؛ لأن الآية عامة فلا يخصّ بها شيء إلا بدليل قاطع.

  {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ٢٣}

  {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} خفض على القسم. {إِنَّهُ لَحَقٌ} أي إن قولنا. {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ٢٢} {لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} برفع «مثل» قراءة الكوفيين وابن أبي إسحاق⁣(⁣١) على النعت لحق، وقرأ المدنيون وأبو عمرو مثل ما بالنصب. وفي نصبه أقوال أصحّها ما قال سيبويه أنه مبني لما أضيف إلى غير متمكّن فبني ونظيره {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ}⁣[هود: ٦٦]. وقال الكسائي: «مثل ما» منصوب على القطع، وقال بعض البصريين هو منصوب على أنه حال من نكرة، وأجاز الفراء⁣(⁣٢) أن يكون التقدير حقّا مثل ما، وأجاز أن يكون «مثل» منصوبة بمعنى كمثل ثم حذف الكاف ونصب، وأجاز: زيد مثلك، ومثل من أنت؟ ينصب «مثل» على المعنى على معنى كمثل فألزم على هذا أن يقول: عبد الله الأسد شدّة، بمعنى كالأسد فامتنع منه، وزعم أنه إنما أجازه في مثل؛ لأن الكاف تقوم مقامها، وأنشد: [الوافر]

  ٤٣٥ - وزعت بكالهراوة اعوجّي ... إذا ونت الرّكاب جرى وثابا⁣(⁣٣)

  قال أبو جعفر: وهذه أقوال مختلفة إلّا قول سيبويه. وفي الآية سؤال أيضا وهو أن يقال: جمع ما بين «ما» و «إنّ» ومعناهما واحد. قال أبو جعفر: ففي هذا جوابان للنحويين الكوفيين أحدهما أنه لما اختلف اللفظان جاز ذلك كما قال: [الوافر]

  ٤٣٦ - فما إن طبّنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا⁣(⁣٤)


(١) انظر تيسير الداني ١٦٤، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦٠٩.

(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٨٥.

(٣) الشاهد لابن غادية السلميّ في الاقتضاب ص ٤٢٩، وبلا نسبة في أدب الكاتب ٥٠٥، وجمهرة اللغة ١٣١٨، ورصف المباني ١٩٦، وسرّ صناعة الإعراب ٢٨٦، ولسان العرب (ثوب) و (وثب) والمقرّب ١/ ١٩٦، والمخصص ١٤/ ٨٦.

(٤) الشاهد لفروة بن مسيك في الأزهيّة ٥١، والجنى الداني ٣٢٧، وخزانة الأدب ٤/ ١١٢، والدرر ٢/ ١٠٠، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ١٠٦، وشرح شواهد المغني ١/ ٨١، ولسان العرب (طبب)، ومعجم ما =