(59) شرح إعراب سورة الحشر
  {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} ويخرّبون على التكثير، وقد حكى سيبويه أنّ فعّل يكون بمعنى أفعل كما قال: [الطويل]
  ٤٧١ - ومن لا يكرم نفسه لا يكرم(١)
  {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ} أي فاتعظوا واستدلّوا على صدق النبيّ ﷺ بأن الله جلّ وعزّ ناصره لما يريكم في أعدائه وبصدق ما أخبركم به. واشتقاقه من عبر إلى كذا إذا جاز إليه، والعبرة هي المتجاوزة من العين إلى الخدّ. قال الأصمعي: وقولهم: فلان عبر أي يفعل أفعالا يورث بها أهله العبرة وفي معنى {يا أُولِي الْأَبْصارِ} قولان: أحدهما أنه من بصر العين، والآخر أنه من بصر القلب. قال أبو جعفر: وهذا أولى بالصواب، لأن الاعتبار إنما يكون بالقلب، وهو الاتّعاظ والاستدلال بما مرّ. فقد قيل: إن النبيّ ﷺ خبّرهم بهذا أنه يكون فكان على ما وصف فيجب أن تعتبروا بهذا وغيره، كما قال جلّ وعزّ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ}[الفتح: ٢٧] فكان كما قال، وقال جلّ ذكره: {سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ}[المسد: ٣] ذلك وقال: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً}[البقرة: ٩٥] فلم يتمنه أحد منهم، وكذا {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ}[الزخرف: ٨٧] فقالوا ذلك، وكذا {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}[الروم: ٣] كذا قوله ﷺ لعمّار: «تقتلك الفئة الباغية»(٢) وقوله # لعلي بن أبي طالب ¥ يوم كتب: «من محمد رسول الله» فساموه محوها فاستعظم ذلك علي ¥ فقال له النبيّ ﷺ: «إنّك ستسام مثلها»(٣) فكان ذلك على ما قال، وكذلك قوله في ذي الثديّة «ومن ينجو من الخوارج»(٤) فكان الأمر كما قال، وكذلك قوله في كلاب الحوأب قولا محدّدا، وكذلك قوله في فتح المدينة البيضا وفي فتح مصر، وأوصى بأهلها خيرا فهذا كله مما يعتبر به وقال جلّ وعزّ: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: ٦٧] فعصمه حتّى مات على فراشه، وقال: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[النور: ٥٥] فاستخلف ممّن خوطب بهذا أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ¤، وكان هذا موافقا لقوله صلّى الله عليه «الخلافة بعدي ثلاثون» ومما يعتبر به تمثيلاته التي لا تدفع، منها حديث أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله كيف يحيي
(١) انظر الفهارس العامة.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه - الفتن ٧٠، وأحمد في مسنده ٢/ ١٦١، والبيهقي في السنن الكبرى ٨/ ١٨٩، والطبراني في المعجم الكبير ١/ ٣٠٠، والمتقي في كنز العمال (٢٣٧٣٦).
(٣) أخرجه الترمذي في سننه - المناقب ١٣/ ٢٠٩.
(٤) أخرجه ابن ماجة في سننه باب ١٢ الحديث (١٦٧)، وأبو داود في سننه، الحديث رقم (٤٧٦٣).