(65) شرح إعراب سورة الطلاق
  {أَسْكِنُوهُنَ} قيل: هذا الضمير يعود على النساء جمع المدخول بهنّ وقيل على المطلقات أقل من ثلاث وإن المطلقات ثلاثا لا سكن لهن ولا نفقة. وبذلك صحّ الحديث عن النبيّ ﷺ رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس عن النبيّ ﷺ ويستدل على ذلك أيضا بقوله {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ} فخص الحوامل وحدهن، وأيضا فإنهن إذا طلّقن ثلاثا فهن أجنبيّات {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ} شرط ومجازاة. {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} قال سفيان: أي ليحثّ بعضكم بعضا {وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ} قال السّدي: أي إن قالت المطلقة لا أرضعه لم تكره قال تعالى: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى}.
  {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ٧}
  {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} جاءت لام الأمر مكسورة على بابها وسكنت في {فَلْيُنْفِقْ} لاتصالها بالفاء؛ ويجوز كسرها أيضا فأجاز الفراء(١) ومن قدر(٢) عليه رزقه فلينفق ممّا آتيه الله أي على قدر ما رزقه الله من التضييق وقد روي عن ابن عباس {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ} إن كان له ما يبيعه من متاع البيت باعه وأنفقه. {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها} قال السدي: لا يكلّف الله الفقير نفقة الغني، وقال ابن زيد: لا يكلّف الفقير أن يزكّي ويصدّق {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} أي إمّا في الدنيا وإما في الآخرة ليرغب المؤمنون في فعل الخير.
  {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً ٨}
  أي مخفوض بالكاف، وصارت كأيّ بمعنى كم للتكثير، والمعنى: وكم من أهل قرية عتوا عن أمر ربهم ثمّ أقيم المضاف إليه مقام المضاف. وقال ابن زيد: عتوا هاهنا عصوا كفروا. والعتو في اللغة التجاوز في المخالفة والعصيان. وقد روى عمرو بن أبي سلمة عن عمر بن سليمان في قوله جلّ وعزّ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها} الآية قال: هؤلاء قوم عذّبوا في الطلاق {فَحاسَبْناها} أي بالنعم والشكر. {حِساباً} مصدر. {شَدِيداً} من نعته. قال ابن زيد: الحساب الشديد: الذي ليس فيه من العفو شيء {وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً} أي ليس بمعتاد. قال الفراء(٣): فيه للتقديم والتأخير أي عذّبناها عذابا نكرا في الدنيا وحاسبناها حسابا شديدا في الآخرة.
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١٦٤.
(٢) انظر البحر المحيط ٢/ ٢٨٢ (قرأ الجمهور «قدر» مخفّفا وابن أبي عبلة مشدّد الدال).
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ١٦٤.