(68) شرح إعراب سورة ن (القلم)
  قال أبو جعفر: وهذه الآية من أشكل ما في السورة وتحصيل معناها فيما قيل والله أعلم: أم عندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيوب كلها فهم يكتبون منه ما يجادلونك به ويدّعون أنهم مع كفرهم بالله جلّ وعزّ وردّهم عليك بعد البراهين خير منك وأنهم على الحقّ.
  {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ ٤٨}
  {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي اصبر على أداء الرسالة واحتمل أذاهم ولا تستعجل لهم العذاب {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ} في ما عمله من خروجه عن قومه وغمّه بتأخر العذاب عنهم {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس {وَهُوَ مَكْظُومٌ} قال: مغموم. قال أبو جعفر: والمكظوم في كلام العرب الذي قد اغتمّ لا يجد من يتفرّج إليه فقد كظم غيظه أي أخفاه.
  {لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ٤٩}
  {لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} وفي قراءة ابن مسعود «لو لا أن تداركته»(١) على تأنيث النعمة والتذكير: لأنه تأنيث غير حقيقي وروي عن الأعرج «لو لا أن تدّاركه» بتشديد الدال، والأصل تتداركه أدغمت التاء في الدال. {لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} في موضع نصب على الحال.
  {فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ٥٠}
  قيل: المعنى فوصفه جلّ وعزّ أنه من الصالحين. وقد حكى سيبويه جعل بمعنى وصف، وقيل: {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} وفّقه الله تعالى لطاعته حتى صلح.
  {وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ٥١}
  الكوفيون يقولون: {إِنْ} بمعنى «ما» واللام بمعنى إلّا، والبصريون يقولون: هي إن المشدّدة لما خفّفت وقع بعدها الفعل ولزمته لام التوكيد ليفرق بين النّفي والإيجاب. وذكر بعض النحويين الكوفيين أن هذا من إصابة العين، واستجهله بعض العلماء وقال: إنما كانوا يقولون: إنّا نصيب بالعين ما نستحسنه ونتعجّب من جودته. وهذا ليس من ذاك إنّما كانوا ينظرون إلى النبي ﷺ نظر الإبغاض والنفور. فالمعنى على هذا أنهم لحدّة نظرهم إليه يكادون يزيلونه من مكانه. يقال: أزلق
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ٣١١ (قرأ الجمهور «تداركه» ماضيا ولم تلحقه علامة التأنيث، وقرأ عبد الله وابن عباس «تداركته» بتاء التأنيث، وابن هرمز والحسن والأعمش بشدّ الدال).