إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(78) شرح إعراب سورة عم يتساءلون (النبأ)

صفحة 84 - الجزء 5

  الغساق المنتن، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: الغساق الزمهرير. قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يكون ما يسيل من جلودهم منتنا شديد البرد وسمعت علي بن سليمان يقول: غساق بالتشديد أولى، لأنه يقال: غسقت عينه أي دمعت، فغساق مثل سيّال تكثير غاسق، وقال غيره: من هذا قيل لليل: غاسق، لتغطيته وهجومه كما يهجم السيل، وقيل الحميم مستثنى من الشراب، والغسّاق مستثنى من البرد.

  {جَزاءً وِفاقاً ٢٦}

  {جَزاءً} مصدر دلّ على فعله ما قبله. {وِفاقاً} من نعته.

  {إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً ٢٧}

  قيل: يرجون بمعنى يخافون؛ لأن من رجا شيئا يلحقه خوف من فواته فغلب إحدى الخيفتين كما قال: [الطويل]

  ٥٣١ - إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل⁣(⁣١)

  وقيل: الرجاء هاهنا على بابه أي لا يرجون ثواب الحساب.

  {وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ٢٨}

  مصدر، وقد روي عن علي بن أبي طالب ¥ {وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً}⁣(⁣٢) بتخفيف الأول والثاني، وهي رواية شاذّة ولكنه قد صحّ عن الكسائي أنه قرأ الثانية بالتخفيف كما قال: [مجزوء الكامل]

  ٥٣٢ - فصدقتهم وكذّبتهم ... والمرء ينفعه كذابه⁣(⁣٣)

  وكذّاب التشديد على قول بعض الكوفيين لغة يمنية وهذا ما لا يحصل منه كثير فائدة ولكن قول سيبويه⁣(⁣٤) أنه مصدر كذّب على الحقيقة وأن كان الكلام يكذّب تكذيبا كثيرا. وفيه من النحو ما يدق من المجيء بهذه التاء في تكذيب وليس لها في الفعل أصل ويقال: ما الدليل على أن الأصل كذّاب؟ ونحن نشرحه على مذهب سيبويه إن شاء الله. سبيل الفعل إذا كان رباعيا أن يزاد على ماضيه ألف في المصدر فتقول: أكرم


(١) الشاهد لأبي ذؤيب الهذليّ في ديوان الهذليين ١/ ١٤٣، وشرح أشعار الهذليين ١/ ١٤٤، واللسان (رجا).

(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٢٩.

(٣) الشاهد للأعشى في شرح شواهد الإيضاح ٦٠٦، ولسان العرب (صدق)، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في شرح المفصل ٦/ ٤٤.

(٤) انظر الكتاب ٤/ ١٩٣.