(34) شرح إعراب سورة سبأ
  {أَفْتَرى} لمّا دخلت ألف الاستفهام واستغنيت عن ألف الوصل فحذفتها وكان فتح ألف الاستفهام فرقا بينها وبين ألف الوصل.
  {وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً} مفعولان: {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} أي رجّعي الحنين فكانت الجبال تجيبه إذا تلا الزبور، وهو من آب يؤوب إذا رجع. {وَالطَّيْرَ}(١) بالرفع قراءة الأعرج وأبي عبد الرحمن، والرفع من جهتين: إحداهما على العطف على جبال، والأخرى على العطف على المضمر الذي في أوّبي، وحسن ذلك، لأن بعده «معه»، والنصب عند أبي عمرو بن العلاء بمعنى وسخّرنا له الطير، وقال الكسائي: هو معطوف على فضلا أي آتيناه الطير، وعند سيبويه(٢) معطوف على الموضع أي: نادينا الجبال والطير، ويجوز أن يكون مفعولا معه، كما تقول: استوى الماء والخشبة: أي مع الخشبة. قال أبو جعفر: سمعت أبا إسحاق يجيز قمت وزيدا. {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} قيل:
  إنه أول من سخّر له الحديد، وقيل أعطي من القوة أنه كان يثني الحديد - والله جلّ وعزّ أعلم بذلك - وقال الحسن: وكان داود ﷺ يأخذ الحديد فيكون في يده مثل العجين فيعمل منه الدروع.
  {أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ} لأبي إسحاق فيه جوابان: أحدهما أن تكون «أن» بمعنى أي مفسّرة تؤدّي عن معنى: قلنا له اعمل، والجواب الآخر أن يكون في موضع نصب أي وألنّا له الحديد لها ووصلت أن بلفظ الأمر {سابِغاتٍ} في موضع نصب وأقيمت الصفة مقام الموصوف أي: اعمل دروعا سابغات والدروع مؤنثة إذا كانت للحرب، ودرع المرأة مذكر. {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} قال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: قدر المسمار لا يكون دقيقا فيسلس ولا غليظا فيفصمها.
  {وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ} جعله الكسائي نسقا على {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} وقال: المعنى: وألنّا لسليمان الرّيح، وقال أبو إسحاق: التقدير: وسخّرنا لسليمان الريح: وقرأ عاصم {وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ}(٣) بالرفع بالابتداء أو بالاستقرار أي لسليمان الريح ثابتة وفيه ذلك
(١) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٥٣.
(٢) انظر الكتاب ٢/ ١٨٨.
(٣) انظر تيسير الداني ١٤٦، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٢٧.