(36) شرح إعراب سورة يس
  الكلام حذف على قراءة الجماعة فالتقدير: إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلالا فهي إلى الأذقان، فهي كناية عن الأيدي لا عن الأعناق، والعرب تحذف مثل هذا، ونظيره {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل: ٨١] فتقديره: وسرابيل تقيكم البرد فحذف لأن ما وقى الحرّ وقى البرد، ولأنّ الغل إذا كان في العنق فلا بد من أن يكون في اليد ولا سيما وقد قال جلّ وعزّ: {فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ} فقد أعلم الله جلّ وعزّ أنها يراد بها الأيدي. {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} أجلّ ما روي فيه ما حكاه عبد الله بن يحيى أن علي بن أبي طالب ¥ أراهم الأقماح فجعل يديه تحت لحيته وألصقهما ورفع رأسه. قال أبو جعفر: وكان هذا مأخوذا مما حكاه الأصمعي قال: يقال أكمحت الدّابّة إذا جذبت لجامها لترف رأسها. قال أبو جعفر: والقاف مبدلة من الكاف لقربها منها، كما يقال:
  قهرته وكهرته. قال الأصمعي: ويقال: أكفحت الدابة إذا تلقّيت فاها باللجام لتضربه به. مشتقّ من قولهم: لقيته كفاحا أي وجها لوجه، وكفحت الدابّة بغير ألف إذا جذبت عنانها لتقف ولا تجري.
  قال محمد بن إسحاق في روايته: جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل وأميّة بن خلف يراصدون النبي ﷺ ليبلغوا من أذاه فخرج عليهم يقرأ أول «يس» وفي يده تراب فرماهم به، وقرأ {وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} إلى رأس العشر، فأطرقوا حتى مرّ النبي ﷺ وقد قيل إن هذا تمثيل كما يقال: فلان حمار أي لا يبصر الهدى، كما يقال: [البسيط]
  ٣٥٩ - لهم عن الرشد أغلال وأقياد(١)
  وقراءة ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر وعمر بن عبد العزيز {فَأَغْشَيْناهُمْ}(٢)
  قال أبو جعفر: القراءة بالغين أشبه بنسق الكلام، ويقال: غشيه الأمر وأغشيته إياه فأما فأغشيناهم فإنّما يقال لمن ضعف بصره حتى لا يبصر بالليل، أو لمن فعل فعله، كما قال: [الطويل]
  ٣٦٠ - متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد(٣)
  قال قتادة: {فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} الهدى.
(١) الشاهد للأفوه الأودي في ديوانه ص ١٠.
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٣١٢.
(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٩).