القول في الإنشاء
  وفيه نظر؛ لأنه إن أراد أن نحو هذا التركيب - أعني ما يكون الاسم الذي يلي الهمزة فيه مظهرا - لا يفيد توجّه الإنكار إلى كونه فاعلا للفعل الذي بعده، فهو ممنوع، وإن أراد أنه يفيد ذلك إن قدّر تقديم وتأخير وإلا فلا - على ما ذهب إليه فيما سبق - فهذه الصورة مما منع هو ذلك فيه على ما تقدم.
  لا يقال: قد يلي الهمزة غير المنكر في غير ما ذكرتم، كما في قوله: [امرؤ القيس]
  أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي؟!(١)
  فإن معناه أنه ليس بالذي يجيء منه أن يقتل مثلي؛ بدليل قوله:
  يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه ... ليقتلني، والمرء ليس بقتّال(٢)
  لأنا نقول: ليس ذلك معناه، لأنه قال: والمشرفي مضاجعي، فذكر ما يكون منعا من الفعل، والمنع إنما يحتاج إليه مع من يتصوّر صدور الفعل منه دون من يكون في نفسه عاجزا عنه.
  ومنها التهكم، نحو: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا}[هود: الآية ٨٧].
  ومنها التحقير، كقولك: من هذا؟ وما هذا؟
  ومنها التهويل، كقراءة ابن عباس ®: {وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ ٣٠ مِنْ فِرْعَوْنَ}[الدّخان: الآيتان ٣٠، ٣١]؟ بلفظ الاستفهام، لما وصف الله تعالى العذاب بأنه معين لشدته وفظاعة شأنه؛ أراد أن يصوّر كنهه، قال: {مِنْ فِرْعَوْنَ}[يونس: الآية ٨٣] أي: أتعرفون من هو في فرط عتوّه وتجبّره؟ ما ظنّكم بعذاب يكون هو المعذّب به؟ ثم عرّف حاله بقوله: {إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ}[الدّخان: الآية ٣١].
  ومنها الاستبعاد، نحو: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ١٣ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ١٤}[الدّخان: الآيتان ١٣ - ١٤].
  ومنها التوبيخ والتّعجيب جميعا، كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً
(١) تقدم البيت بتمامه مع تخريجه قبل قليل.
(٢) يروى صدر البيت بلفظ:
يكرّ كرير البكر شدّ خناقه
والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٣٣، ولسان العرب (كرر)، وجمهرة اللغة ص ١٤٩، وتاج العروس (غطط)، وأساس البلاغة (غطط)، وبلا نسبة في تاج العروس (كرر).