القول في الإنشاء
  فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٨}[البقرة: الآية ٢٨] أي: كيف تكفرون، والحال أنكم عالمون بهذه القصة.
  أما التوبيخ؛ فلأن الكفر مع هذه الحال ينبئ عن الانهماك في الغفلة أو الجهل.
  وأما التعجب؛ فلأن هذه الحال تأبى أن لا يكون للعاقل علم الصانع وعلمه به يأبى أن يكفر، وصدور الفعل مع الصارف القوي مظنة تعجّب.
  ونظيره: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ}[البقرة: الآية ٤٤].
  ومن أنواع الإنشاء الأمر، والأظهر أن صيغته - من المقترنة باللام نحو: ليحضر زيد، وغيرها نحو: أكرم عمرا، ورويد بكرا - موضوعة لطلب الفعل استعلاء؛ لتبادر الذهن عند سماعها إلى ذلك، وتوقف ما سواه على القرينة.
  قال السكاكي: ولإطباق أئمة اللغة على إضافتها إلى الأمر بقولهم: صيغة الأمر، ومثال الأمر، ولام الأمر، وفيه نظر لا يخفى على المتأمل.
  ثم إنها - أعني صيغة الأمر - قد تستعمل في غير طلب الفعل بحسب مناسبة المقام، كالإباحة كقولك في مقام الإذن: جالس الحسن أو ابن سيرين.
  ومن أحسن ما جاء فيه قول كثيّر: [بن عبد الرحمن «عزّة»]
  أسيئي بنا أو أحسني، لا ملومة ... لدينا، ولا مقليّة إن تقلّت(١)
  أي: لا أنت ملومة ولا مقليّة.
  ووجه حسنه إظهار الرّضا بوقوع الداخل تحت لفظ الأمر حتى كأنه مطلوب، أي: مهما اخترت في حقّي من الإساءة والإحسان فأنا راض به غاية الرّضا، فعامليني بهما، وانظري: هل تتفاوت حالي معك في الحالين؟
  والتهديد، كقولك لعبد شتم مولاه وقد أدّبه: أشتم مولاك، وعليه: {اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ}[فصّلت: الآية ٤٠].
  والتعجيز، كقولك لمن يدّعي أمرا تعتقد أنه ليس في وسعه: افعله، وعليه {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة: الآية ٢٣].
(١) البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ١٠١، ولسان العرب (سوأ)، (حسن)، (قلا)، والتنبيه والإيضاح ١/ ٢١، وتهذيب اللغة ٤/ ٣١٨، والأغاني ٩/ ٣٨، وأمالي القالي ٢/ ١٠٩، وتزيين الأسواق ١/ ١٢٤، وتاج العروس (سوأ)، (قلي).