الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الوصل والفصل

صفحة 123 - الجزء 1

  معناها مغاير لمعنى ما قبلها، وغير داخل فيه، مع ما بينهما من الملابسة.

  الثالث: أن تكون الثانية بيانا للأولى، وذلك بأن تنزّل منها منزلة عطف البيان من متبوعه في إفادة الإيضاح، والمقتضي للتبيين أن يكون في الأولى نوع خفاء، مع اقتضاء إزالته، كقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى ١٢٠}⁣[طه: الآية ١٢٠] فصل جملة «قال» عما قبلها؛ لكونها تفسيرا وتبيينا، ووزانه وزان عمر في قوله:

  أقسم بالله أبو حفص عمر⁣(⁣١)

  وأما قوله تعالى: {ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}⁣[يوسف: الآية ٣١] فيحتمل التبيين والتأكيد.

  وأما التأكيد فلأنه إذا كان ملكا لم يكن بشرا، ولأنه إذا قيل في العرف لإنسان {ما هذا بَشَراً} حال تعظيم له، وتعجّب مما يشاهد منه، من حسن خلق أو خلق، كان الغرض أنه ملك بطريق الكناية.

  فإن قيل: هلّا نزّلتم الثانية منزلة بدل الكل من متبوعه في بعض الصور ومنزلة النعت من متبوعه في بعض.

  قلنا: لأن بدل الكل لا ينفصل عن التأكيد إلا بأن لفظه غير لفظ متبوعه، وأنه مقصود بالنسبة دون متبوعه، بخلاف التأكيد، والنعت لا ينفصل عن عطف البيان إلا بأنه يدل على بعض أحواله متبوعه لا عليه، عطف البيان بالعكس، وهذه كلها اعتبارات لا يتحقق شيء منها فيما نحن بصدده.

  وأما كون الثانية بمنزلة المنقطعة عن الأولى؛ فلكون عطفها عليها موهما لعطفها على غيرها، ويسمى الفصل لذلك قطعا، مثاله قول الشاعر:


(١) الرجز لرؤبة في شرح المفصل ٣/ ٧١، وليس في ديوانه، ولا يمكن أن يكون رؤبة هو الذي قاله لعمر بن الخطاب، ذلك أنه توفي سنة ١٤٥ هـ، ولم يعتبره أحد من التابعين فضلا عن المخضرمين، والرجز لعبد الله بن كسيبة أو لأعرابي في خزانة الأدب ٥/ ١٥٤، ولأعرابي في شرح التصريح ١/ ١٢١، والمقاصد النحوية ٤/ ١١٥، ولسان العرب (نقب)، (فجر)، وتاج العروس (نقب)، (فجر)، وتهذيب اللغة ١/ ٥٠، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١/ ١٢٨، وشرح الأشموني ١/ ٥٩، وشرح شذور الذهب ص ٥٦١، وشرح ابن عقيل ص ٤٨٩، ومعاهد التنصيص ١/ ٢٧٩، وأساس البلاغة (نقب)، وديوان الأدب ٢/ ١١١، وكتاب العين ٨/ ٣٠٧، ويليه:

ما مسها من نقب ولا دبر ... فاغفر له اللهم إن كان فجر