الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الوصل والفصل

صفحة 124 - الجزء 1

  وتظنّ سلمى أنّني أبغي بها ... بدلا، أراها في الضّلال تهيم⁣(⁣١)

  لم يعطف «أراها» على «تظن» لئلا يتوهم السامع أنه معطوف على «أبغي» لقربه منه، مع أنه ليس بمراد، ويحتمل الاستئناف.

  وقسّم السكاكي القطع إلى قسمين:

  أحدهما: القطع للاحتياط، وهو ما لم يكن لمانع من العطف، كما في هذا البيت.

  والثاني: القطع للوجوب، وهو ما كان لمانع، ومثّله بقوله تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}⁣[البقرة: الآية ١٥] قال: لأنه لو عطف لعطف إما على جملة «قالوا» وإما على جملة «إنا معكم» وكلاهما لا يصح لما مر، وكذا قوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}⁣[البقرة: الآية ١٢] وقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ}⁣[البقرة: الآية ١٣].

  وفيهما نظر؛ لجواز أن يكون المقطوع في المواضع الثلاثة معطوفا على الجملة المصدّرة بالظرف، وهذا القسم لم يبين امتناعه.

  وأما كونها بمنزلة المتصلة بها، فلكونها جوابا عن سؤال اقتضته الأولى؛ فتنزّل منزلته، فتفصل الثانية عنها كما يفصل الجواب عن السؤال.

  وقال السكاكي: فينزّل ذلك منزلة الواقع، ثم قال: وتنزيل السؤال بالفحوى منزلة الواقع لا يصار إليه إلا لجهات لطيفة: إما لتنبيه السامع على موقعه، أو لإغنائه أن يسأل، أو لئلا يسمع منه شيء، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه، أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ، وهو تقدير السؤال وترك العاطف، أو لغير ذلك مما ينخرط في هذا السّلك.

  ويسمى الفصل لذلك استئنافا، وكذا الجملة الثانية أيضا تسمى استئنافا.

  والاستئناف ثلاثة أضرب:

  لأن السؤال الذي تضمنته الجملة الأولى إما عن سبب الحكم فيها مطلقا، كقوله: [أبو العلاء المعري]

  قال لي: كيف أنت؟ قلت عليل ... سهر دائم، وحزن طويل⁣(⁣٢)

  أي: ما بالك عليلا؟ أو ما سبب علتك؟ وكقوله: [أبو العلاء المعري]


(١) البيت من الكامل، وهو لأبي تمام في الإشارات والتنبيهات ص ١٢٩، والمفتاح ص ٢٦١، ومعاهد التنصيص ١/ ٢٧٩، والمصباح ص ٥٨، وعقود الجمان ص ١٨١.

(٢) البيت من الخفيف، وهو في الإشارات والتنبيهات ص ١٢٥.