الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الوصل والفصل

صفحة 132 - الجزء 1

  وقال الشيخ عبد القاهر: ليست الواو فيهما للحال، بل هي للعطف و «أصك» و «أرهن» بمعنى «صككت» و «رهنت» ولكن الغرض من إخراجهما على لفظ الحال أن يحكيا الحال في أحد الخبرين، ويدعا الآخر على أصله، كما في قوله:

  ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني ... فمضيت، ثمّت قلت: لا يعنيني⁣(⁣١)

  يبين ذلك أن الفاء قد تجيء مكان الواو في مثله، كما في خبر عبد الله بن عتيك؛ فإنه ذكر دخوله على أبي رافع اليهوديّ حصنه، ثم قال: «فانتهيت إليه؛ فإذا هو في بيت مظلم، لا أدري أين هو من البيت؟ قلت: أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فأضربه بالسيف، وأنا داهش» فإن قوله: «فأضربه» مضارع عطفه بالفاء على ماض؛ لأنه في المعنى ماض.

  وإن كان الفعل مضارعا منفيّا، فيجوز فيه الأمران من غير ترجيح؛ لدلالته على المقارنة لكونه مضارعا، وعدم دلالته على الحصول لكونه منفيا.

  أما مجيئه بالواو فكقراءة ابن ذكوان: {فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِ}⁣[يونس: الآية ٨٩] بتخفيف النون، وقول بعض العرب: «كنت ولا أخشى بالذيب» وقول مسكين الدارمي:

  أكسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان ولا يدعى لأب⁣(⁣٢)

  وقول مالك بن رفيع وكان قد جنى جناية، فطلبه مصعب بن الزبير:

  بغاني مصعب وبنوا أبيه ... فأين أحيد عنهم؟ لا أحيد⁣(⁣٣)

  أقادوا من دمي، وتوعّدوني ... وكنت وما ينهنهني الوعيد

  وأما مجيئه بغير واو فكقوله تعالى: {وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ}⁣[المائدة: الآية ٨٤]، وقول عكرمة العبسي:

  مضوا لا يريدون الرّواح وغالهم ... من الدهر أسباب جرين على قدر⁣(⁣٤)

  وقول خالد بن يزيد بن معاوية:

  لو أنّ قوما لارتفاع قبيلة ... دخلوا السماء، دخلتها، لا أحجب⁣(⁣٥)


(١) تقدم البيت مع تخريجه.

(٢) البيت من الرمل، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ص ٢٢، وسمط اللآلي ص ٣٥٢، وشرح التصريح ١/ ٣٩٢، والمقاصد النحوية ٣/ ١٩٣، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٢٥٧.

(٣) البيتان من الوافر، وهما لمالك بن رقبة في شرح التصريح ١/ ٣٩٢، والمقاصد النحوية ٣/ ١٩٢، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٢٥٧.

(٤) البيت من الطويل، وهو في الحماسة ١/ ١٤٤، ودلائل الإعجاز ص ١٦١، والمفتاح ص ١١٩.

(٥) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٢٥٧، والمقاصد النحوية ٣/ ١٩١.