الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القسم الثاني الإيجاز

صفحة 145 - الجزء 1

  الشاعر: [أسماء بن خارجة الفزاري]

  خذي العفو مني تستديمي مودّتي

  أي خذي ما تيسّر أخذه وتسهّل، وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}⁣[الأعراف: الآية ١٩٩] أمر بإصلاح قوّة الغضب، أي أعرض عن السّفهاء واحلم عنهم، ولا تكافئهم على أفعالهم. هذا ما يرجع إليه منها. وأما ما يرجع إلى أمّته: فدلّ عليه بقوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}⁣[الأعراف: الآية ١٩٩] أي: بالمعروف والجميل من الأفعال. ولهذا قال جعفر الصادق⁣(⁣١) ¥ - فيما روي عنه: أمر الله نبيّه ÷ بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لها من هذه الآية.

  ومنها قول الشريف الرضي:

  مالوا إلى شعب الرّحال وأسندوا ... أيدي الطّعان إلى قلوب تخفق⁣(⁣٢)

  فإنه لما أراد أن يصف هؤلاء القوم بالشجاعة في أثناء وصفهم بالغرام: عبّر عن ذلك بقوله: «أيدي الطعان».

  ومنه ما كتب عمرو بن مسعدة عن المأمون، لرجل يعنى به، إلى بعض العمال، حيث أمره أن يختصر كتابه ما أمكن: «كتابي إليك كتاب واثق ممّن كتب إليه، معنيّ بمن كتب له، ولن يضيع بين الثّقة والعناية حامله».

  الضرب الثاني: إيجاز الحذف، وهو ما يكون بحذف.

  والمحذوف: إما جزء جملة أو جملة، أو أكثر من جملة.

  والأول: إمّا مضاف، كقوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}⁣[يوسف: الآية ٨٢] أي: أهلها، وكقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}⁣[المائدة: الآية ٣] أي: تناولها. لأن الحكم الشرعي إنما يتعلق بالأفعال، دون الإجرام، وقوله: {حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}⁣[النّساء: الآية ١٦٠] أي: تناول طيّبات أحلّ لهم تناولها، وتقدير التناول أولى من تقدير الأكل؛ ليدخل فيه شرب ألبان الإبل. فإنها من جملة ما حرّمت عليهم، وقوله: {وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها}⁣[الأنعام: الآية ١٣٨] أي: منافع ظهورها. وتقدير المنافع أولى من تقدير الركوب. لأنهم


(١) جعفر الصادق: هو أبو عبد الله جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ملقب بجعفر الصادق، سادس الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، توفي سنة ١٤٨ هـ (انظر ترجمته في كتاب الوفيات ص ١٢٧، وفيات الأعيان ١/ ٢٩١، شذرات الذهب ١/ ٢٢٠، حلية الأولياء ٣/ ١٩٢، البداية والنهاية ١٠/ ١٠٩، الطبقات الكبرى لابن سعد ٥/ ٤٤٤).

(٢) البيت من الكامل، وهو في ديوان الشريف الرضي ٢/ ٤٣.