الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القسم الثاني الإيجاز

صفحة 149 - الجزء 1

  فالوجه في ذكر «العظم» - دون سائر ما تركّب منه البدن - وتوحيده؛ ما ذكره الزمخشري قال: إنما ذكر «العظم» لأنه عمود البدن، وبه قوامه وهو أصل بنائه، وإذا وهن تداعى وتساقطت قوته، ولأنه أشدّ ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن، ووحّده لأن الواحد هو الدّال على معنى الجنسية وقصده: إلى هذا الجنس - الذي هو العمود، والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد - قد أصابه الوهن، ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر. وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه، ولكن كلّها.

  واعلم أن المراد بشمول الشيب الرأس أن يعمّ جملته حتى لا يبقى من السواد شيء، أو لا يبقى منه إلا مما لا يعتدّ به.

  والثاني - أعني ما يكون جملة - إما مسبّب، ذكر سببه، كقوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ}⁣[الأنفال: الآية ٨] أي: فعل ما فعل، وقوله: {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}⁣[القصص: الآية ٤٦] أي: اخترناك، وقوله: {لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ}⁣[الفتح: الآية ٢٥] أي: كان الكفّ ومنع التعذيب. ومنه قول أبي الطّيّب:

  أتى الزّمان بنوه في شبيبته ... فسرّهم، وأتيناه على الهرم⁣(⁣١)

  أي: فساءنا أو بالعكس، كقوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ}⁣[البقرة: الآية ٥٤] أي: فامتثلتم فتاب عليكم، وقوله: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ}⁣[البقرة: الآية ٦٠] أي: فضربه بها فانفجرت، ويجوز أن يقدّر: فإن ضربت بها فقد انفجرت، أو غير ذلك، كقوله تعالى: {فَنِعْمَ الْماهِدُونَ}⁣[الذّاريات: الآية ٤٨] على ما مرّ.

  والثالث: كقوله تعالى: {فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى}⁣[البقرة: الآية ٧٣] أي: فضربوه ببعضها فحيي، فقلنا: كذلك يحيي الله الموتى، وقوله: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ٤٥ يُوسُفُ}⁣[يوسف: الآيتان ٤٥، ٤٦] أي: فأرسلوني إلى يوسف لاستعبره الرؤيا، فأرسلوه إليه فأتاه، وقال له: يا يوسف، وقوله: {فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً ٣٦}⁣[الفرقان: الآية ٣٦] أي: فأتياهم فأبلغاهم الرسالة، فكذّبوهما، فدمّرناهم. وقوله: {فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ ١٦ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ ١٧ قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ}⁣[الشّعراء: الآيات ١٦ - ١٨] أي: فأتياه، فأبلغاه ذلك، فلما سمعه قال: ألم نربك، ويجوز أن يكون التقدير: فأتياه فأبلغاه ذلك. ثم يقدّر: فماذا


(١) البيت من البسيط، وهو في ديوان المتنبي ٢/ ٢٦٢.