الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القسم الثالث الإطناب

صفحة 151 - الجزء 1

  ومنها: أن يدل العقل على الحذف، والعادة على التعيين، كقوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}⁣[يوسف: الآية ٣٢] دلّ العقل على الحذف فيه، لأن الإنسان إنما يلام على كسبه؛ فيحتمل أن يكون التقدير: في حبه؛ لقوله {قَدْ شَغَفَها حُبًّا}⁣[يوسف: الآية ٣٠]، وأن يكون: في مراودته، لقوله: {تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ}⁣[يوسف: الآية ٣٠]، وأن يكون في شأنه وأمره، فيشملهما، والعادة دلّت على تعيين المراودة، لأن الحبّ المفرط لا يلام الإنسان عليه في العادة لقهره صاحبه وغلبته (إيّاه)، وإنما يلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التي يقدر أن يدفعها عن نفسه.

  ومنها: أن تدل العادة على الحذف والتعيين، كقوله تعالى: {لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ}⁣[آل عمران: الآية ١٦٧] مع أنهم كانوا أخبر الناس بالحرب، فكيف يقولون: بأنهم لا يعرفونها؟! فلا بد من حذف، قدّره مجاهد⁣(⁣١) |، مكان قتال، أي: أنكم تقاتلون في موضع لا يصلح للقتال، ويخشى عليكم منه، ويدل عليه أنهم أشاروا على رسول الله ÷ أن لا يخرج من المدينة، وأن الحزم البقاء فيها.

  ومنها: الشروع في الفعل، كقول المؤمن: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كما إذا قلت عند الشروع في القراءة: {بِسْمِ اللهِ} فإنه يفيد: أن المراد «بسم الله أقرأ» وكذا عند الشروع في القيام، والقعود، أو أيّ فعل كان؛ فإن المحذوف يقدّر على حسب ما جعلت التّسمية مبدأ له.

  ومنها: اقتران الكلام بالفعل. فإنه يفيد تقريره، كقولك لمن أعرس: بالرّفاء والبنين. فإنه يفيد: بالرّفاء والبنين أعرست.

القسم الثالث الإطناب

  وهو إما بالإيضاح بعد الإبهام؛ ليرى المعنى في صورتين مختلفتين، أو ليتمكن في النفس فضل تمكّن. فإن المعنى إذا ألقي على سبيل الإجمال والإبهام تشوّقت نفس السامع إلى معرفته على سبيل التفصيل والإيضاح، فتتوجه إلى ما يرد بعد ذلك، فإذا ألقي كذلك تمكّن فيها فضل تمكّن، وكان شعورها به أتم.


(١) مجاهد: هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي، أحد الأعلام التابعين والأئمة المفسرين، توفي سنة ١٠٤ هـ، (انظر ترجمته في البداية والنهاية ٩/ ٢٣٧ - ٢٤٢، وفيه: توفي سنة ١٠٣ هـ)، كتاب الوفيات ص ١٠٢، شذرات الذهب ١/ ١٢٥، حلية الأولياء ٣/ ٢٧٩.