الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القسم الثالث الإطناب

صفحة 153 - الجزء 1

  في حلّتي حبر وروض، فالتقى ... وشيان: وشي ربى، ووشي برود

  وسفرن. فامتلأت عيون راقها ... وردان: ورد جنى، وورد خدود

  وإما بذكر الخاص بعد العامّ؛ للتنبيه على فضله، حتى كأنه ليس من جنسه؛ تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات، كقوله تعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ}⁣[البقرة: الآية ٩٨]، وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}⁣[آل عمران: الآية ١٠٤]، وقوله: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى}⁣[البقرة: الآية ٢٣٨].

  وإما بالتكرير لنكتة، كتأكيد الإنذار في قوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٣ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٤}⁣[التّكاثر: الآيتان ٣ - ٤] وفي «ثمّ» دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ وأشد.

  وكزيادة التنبيه على ما ينفي التهمة؛ ليكمل تلقّي الكلام بالقبول، (كما) في قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ ٣٨ يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ}⁣[غافر: الآيتان ٣٨ - ٣٩].

  وقد يكرّر اللفظ لطول في الكلام، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ١١٩}⁣[النّحل: الآية ١١٩]، وفي قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ١١٠}⁣[النّحل: الآية ١١٠].

  وقد يكرّر لتعدّد المتعلّق، كما كرره الله تعالى من قوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ١٣}⁣[الرّحمن: الآية ١٣] لأنه تعالى ذكر نعمة بعد نعمة، وعقّب كلّ نعمة بهذا القول. ومعلوم أن الغرض من ذكره عقيب نعمة غير الغرض من ذكره عقيب نعمة أخرى.

  فإن قيل: قد عقّب بهذا القول ما ليس بنعمة، كما في قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ ٣٥}⁣[الرّحمن: الآية ٣٥]، وقوله: {هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ٤٣ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ٤٤}⁣[الرّحمن: الآيتان ٤٣ - ٤٤].

  قلنا: العذاب وجهنّم - وإن لم يكونا من آلاء الله تعالى - فإن ذكرهما ووصفهما على طريق الزجر عن المعاصي، والترغيب في الطاعات؛ من آلائه تعالى، ونحوه قوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ١٥}⁣[المرسلات: الآية ١٥] لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة، وأتبع كل قصة بهذا القول، فصار كأنه قال عقب كلّ قصة: ويل يومئذ للمكذّبين بهذه القصة.

  وإما بالإيغال، واختلف في معناه.

  فقيل: هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتمّ المعنى بدونها.