القسم الثالث الإطناب
  صببنا عليها - ظالمين - سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل(١)
  وضرب يقع في آخر الكلام، كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ}[المائدة: الآية ٥٤] فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذّلة على المؤمنين؛ لتوهّم أن ذلّتهم لضعفهم، فلما قيل: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ} علم أنها منهم تواضع لهم، ولذا عدّي الذّل بـ «على» لتضمينه معنى العطف، كأنه قيل: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع. ويجوز أن تكون التعدية بـ «على» لأن المعنى: أنهم مع شرفهم، وعلوّ طبقتهم وفضلهم على المؤمنين؛ خافضون لهم أجنحتهم.
  ومنه قول ابن الرومي، فيما كتب به إلى صديق له: «إني وليّك الذي لا يزال تنقاد إليك مودّته عن غير طمع ولا جزع، وإن كنت لذي الرغبة مطلبا، ولذي الرهبة مهربا».
  وكذا قول الحماسيّ:
  رهنت يدي بالعجز عن شكر برّه ... وما فوق شكري للشّكور مزيد(٢)
  وكذا قول كعب بن سعد الغنوي:
  حليم إذا ما الحلم زيّن أهله ... مع الحلم في عين العدوّ مهيب(٣)
  فإنه لو اقتصر على وصفه بالحلم، لأوهم أن حلمه عن عجز؛ فلم يكن صفة مدح؛ فقال: «إذا ما الحلم زين أهله» فأزال هذا الوهم، وأما بقية البيت: فتأكيدا للازم ما يفهم من قوله: «إذا ما الحلم زين أهله» من كونه غير حليم حين لا يكون الحلم زينا لأهله؛ فإن من لا يكون حليما حين لا يحسن الحلم لأهله؛ يكون مهيبا في عين العدو لا محالة، فعلم أن بقية البيت ليست تكميلا، كما زعم بعض الناس.
  ومنه قول الحماسيّ:
  وما مات منّا سيّد في فراشه ... ولا طلّ منّا حيث كان قتيل(٤)
  فإنه لو اقتصر على وصف قومه بشمول القتل إياهم؛ لأوهم أن ذلك لضعفهم
(١) البيت من الطويل، وهو في زهر الآداب ١/ ٨٨.
(٢) البيت من الكامل، ولم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٣) البيت من الطويل، وهو لكعب بن سعد الغنوي في لسان العرب (حلب)، وجمهرة أشعار العرب ص ٧٠٧، ولغريقة بن مسافع العبسي في الأصمعيات ص ١٠٠، ويرى محقق الأصمعيات أن القصيدة التي منها هذا البيت لكعب بن سعد لا لغريقة، انظر الأصمعيات ص ٩٨، الحاشية.
(٤) البيت من الطويل، وهو للمسوأل بن عادياء في ديوانه ص ٩١، وأمالي القالي ١/ ٢٧٢، وديوان الحماسة ١/ ٥٨.