الاستعارة
  وأما الذي في الثاني فهو أنه قال: «عليه» فعدّى الفعل إلى ضمير الممدوح بـ «على» فأكد مقصوده من كونه مطاعا في الحيّ.
  وكما في قوله:
  فرعاء، إن نهضت لحاجتها ... عجل القضيب وأبطأ الدّعص(١)
  إذ وصف القضيب بالعجلة، والدّعص بالبطء.
  وقد تحصل الغرابة بالجمع بين عدة استعارات لإلحاق الشكل بالشكل، كقول امرئ القيس:
  فقلت له لما تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا، وناء بكلكل(٢)
  أراد وصف الليل بالطول؛ فاستعار له صلبا يتمطى به إذ كان كل ذي صلب يزيد في طوله عند تمطّيه شيء، وبالغ في ذلك بأن جعل له أعجازا يردف بعضها بعضا، ثم أراد أن يصفه بالثّقل على قلب ساهره، والضغط لمكابده؛ فاستعار له كلكلا ينوء به، أي: يثقل به. وقال الشيخ عبد القاهر: لما جعل لليل صلبا تمطّى به ثنّى ذلك فجعل له أعجازا قد أردف بها الصّلب، وثلّث فجعل له كلكلا قد ناء به؛ فاستوفى له جملة أركان الشخص، وراعى ما يراه الناظر من سواه إذا نظر قدّامه، وإذا نظر خلفه، وإذا رفع البصر ومدّه في عرض الجوّ.
  وأما باعتبار الثلاثة - أعني الطرفين، والجامع - فستة أقسام: استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسّيّ، أو بوجه عقلي، أو بما بعضه حسّيّ وبعضه عقلي، وباستعارة معقول لمعقول، واستعارة محسوس لمعقول، واستعارة معقول لمحسوس، كل ذلك بوجه عقلي، لما مر.
  أما استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي فكقوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ}[طه: الآية ٨٨] فإن المستعار منه ولد البقرة، والمستعار له الحيوان الذي خلقه الله تعالى من حليّ القبط التي سبكتها نار السامري عند إلقائه فيها التربة التي أخذها من موطئ حيزوم فرس جبرائيل #، والجامع لهما الشكل، والجميع حسّي.
  وكقوله تعالى: {وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}[الكهف: الآية ٩٩] فإن المستعار منه حركة الماء على الوجه المخصوص، والمستعار له حركة الإنس والجن، أو يأجوج
(١) البيت من الكامل، وهو في المثل السائر ص ١٣٩.
(٢) البيت من الطويل، وهو في ديوان امرئ القيس ص ١٨، ولسان العرب (كلل)، والمقاصد النحوية ٤/ ١٢٧.