الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الاستعارة

صفحة 226 - الجزء 1

  وكقوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}⁣[البقرة: الآية ٦١] جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم؛ فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه، أو ملصقة بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه؛ فالمستعار منه إما ضرب القبة على الشخص، وإما ضرب الطين على الحائط، وكلاهما حسي، والمستعار له حالهم مع الذلة، والجامع الإحاطة أو اللزوم وهما عقليان.

  وأما استعارة معقول لمحسوس، فكقوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ}⁣[الحاقّة: الآية ١١] فإن المستعار له كثرة الماء وهو حسي، والمستعار منه التكبّر، والجامع الاستعلاء المفرط، وهما عقليان. وأما باعتبار اللفظ فقسمان:

  لأنه إن كان اسم جنس فأصليّة، كأسد، وقتل.

  وإلا فتبعيّة، كالأفعال والصفات المشتقة منها، والحروف، لأن الاستعارة تعتمد التشبيه، والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفا، وإنما يصلح للموصوفية الحقائق، كما في قولك: جسم أبيض، وبياض صاف دون معاني الأفعال، والصفات المشتقة منها، والحروف.

  فإن قلت: فقد قيل في نحو «شجاع باسل وجواد فيّاض وعالم نحرير» إنّ «باسلا» وصف لـ «شجاع» و «فياضا» وصف لـ «جواد» و «نحريرا» وصف لـ «عالم».

  قلت: ذلك متأوّل بأن الثواني لا تقع صفات إلا لما يكون موصوفا بالأول.

  فالتشبيه في الأفعال والصفات المشتقة منها لمعاني مصادرها، وفي الحروف لمتعلقات معانيها، كالمجرور في قولنا: زيد في نعمة ورفاهية فيقدر التشبيه في قولنا: «نطقت الحال بكذا» والحال ناطقة بكذا للدلالة بمعنى النطق.

  وعليه في التهكمية قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}⁣[آل عمران: الآية ٢١] بدل: «فأنذرهم»، وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}⁣[هود: الآية ٨٧] بدل: «السفيه الغوي».

  وفي لام التعليل كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}⁣[القصص: الآية ٨] للعداوة والحزن الحاصلين بعد الالتقاط، بالعلة الغائيّة للالتقاط.

  ومما يتصل بهذا أن «يا» حرف وضع في أصله لنداء البعيد، ثم استعمل في مناداة القريب؛ لتشبيهه بالبعيد، باعتبار أمر راجع إليه، أو إلى المنادى.

  أما الأول فكقولك لمن سها وغفل وإن قرب: يا فلان.