الفصل الأول القول في السرقات الشعرية وما يتصل بها
  وقول أبي الطيب:
  وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأنّي كامل(١)
  فإنّ ذمّ الناقص أبا الطيب كبغض من هو غير طائل الطرماح، شهادة ذمّ الناقص أبا الطيب كزيادة حبّ الطرماح لنفسه.
  وكذا قول أبي العلاء المعري في مرثية:
  وما كلفة البدر المنير قديمة ... ولكنّها في وجهه أثر اللّطم(٢)
  وقول القيسراني: [أبو عبد الله محمد بن نصر]
  وأهوى الذي أهوى له البدر ساجدا ... ألست ترى في وجهه أثر التّرب؟(٣)
  وأوضح من ذلك قول جرير:
  فلا يمنعك من أرب لحاهم ... سواء ذو العمامة والخمار(٤)
  وقول أبي الطيب:
  ومن في كفّه منهم قناة ... كمن في كفّه منهم خضاب(٥)
  ولا يغرك من البيتين المتشابهين أن يكون أحدهما نسيبا والآخر مديحا أو هجاء أو افتخارا أو غير ذلك، فإن الشاعر الحاذق إذا عمد إلى المعنى المختلس لينظمه تحيّل في إخفائه، فغيّر لفظه، وعدل به عن نوعه ووزنه وقافيته.
  ومنه النقل، وهو: أن ينقل معنى الأول إلى غير محله، كقول البحتري:
  سلبوا؛ وأشرقت الدّماء عليهم ... محمرّة، فكأنهم لم يسلبوا(٦)
  نقله أبو الطيب إلى السيف، فقال:
  يبس النّجيع عليه وهو مجرّد ... عن غمده، فكأنّما هو مغمد(٧)
  ومنه أن يكون معنى الثاني أشمل من معنى الأول، كقول جرير:
(١) البيت من الكامل، وهو في ديوان المتنبي ١/ ٢٢٥.
(٢) البيت من الطويل، وهو في سقط الزند ص ٢٣.
(٣) البيت من الطويل، وهو في الإشارات والتنبيهات ص ٢٨٥.
(٤) البيت من البسيط، وهو في ديوان جرير ص ٢٣٧.
(٥) البيت من الوافر، وهو في ديوان المتنبي ٢/ ١٣٧.
(٦) البيت من الكامل، وهو في ديوان البحتري ١/ ٧٦.
(٧) البيت من الكامل، وهو في ديوان المتنبي ١/ ٩٣.