الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

البحث الثاني في إيراد الأمثلة فيهما

صفحة 114 - الجزء 1

  بالرسول ÷، وقرب مكانهم منه، وتحتوى على استعارات خمسة، فاستعار الشعار ليدل به على الاختصاص بالرسول، والملاصقة له في حسبه، واستعار الخزنة ليدل به على أنهم الحافظون لعلوم الشريعة والمهيمنون عليها، واستعار الأبواب ليدل به على أنه لا توجد الفضائل في العلوم إلا من جهتهم، وأنهم بمنزلة الأبواب لها، واستعار قوله لا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، دالا به على أن أخذها من جهة غيرهم خلاف العادة المألوفة وعكس للأمر وإبطال لحقيقته، واستعار قوله فمن أتاها من غير بابها كان سارقا، ليدل به على أن كل من أخذها من غيرهم فقد ظلم وتعدى وأساء كالسارق، لأنه أخذ ما لا يملكه فاستعار هذه الألفاظ لما ذكرناه من تلك المعاني، ومن ذلك ما قاله في معرض التهكم والتوبيخ لبنى أمية إن بنى أمية يفوقوننى بمال الله، والله لئن عشت لهم لأنفضنهم نفض اللحام الوذام التربة» وفي كلام آخر «التراب الوذمة» فاستعار التوفيق للأكل قليلا قليلا، أخذا من فواق الناقة، وهو الحلبة بعد الحلبة، وقوله لأنفضنهم نفض اللحام، استعارة لتفريق شملهم والتنكيل بهم، واللحام، هو القصاب، والوذام هي القطع من الكرش، واحدتها وذمة، والتربة التي تقع على الأرض فإذا نفضها اللحام تناثر التراب منها أسرع ما يكون وأقصاه عنها، فأما قوله #: التراب الوذمة، فهو من القلب الذي قد رقى في غايتى الفصاحة والبلاغة، وهذه الاستعارة دالة على أنه مبالغ في قطع الدابر منهم، واستئصال الشأفة بالتفريق لجموعهم، والإهانة لقدرهم، ولله در أمير المؤمنين ما أصلب قناته في الدين، وأشد غضبه في الله، وأعظم عداوته لأعدائه.

  ومن ذلك كتابه إلى ابن عباس وهو عامله بالبصرة " اعلم أن البصرة مهبط إبليس ومغرس الفتن فحادث أهلها بالإحسان إليهم، وأحلل عقدة الخوف عن قلوبهم. وقد بلغني تنمرك على بنى تميم وغلظتك عليهم، وإن بنى تميم لم يغب منهم نجم إلا طلع لهم آخر. فالمهبط، والمغرس استعارتان بليغتان لموضع البدع والشرور ومخالفة أمر الله تعالى، وإثارة الفتن، ومعصية إمام الحق، وقوله فحادث أهلها بالإحسان إليهم، استعارة، وقوله وأحلل عقدة الخوف عن قلوبهم، استعارة أخرى للأنس لهم وتقرير خواطرهم. وقوله وقد بلغني تنمرك على بنى تميم، استعارة للوحشة وشراسة الأخلاق. وقوله وغلظتك عليهم، استعارة أيضا للإعراض وضيق النفس عليهم، وقوله وإن بنى تميم لم يغب منهم نجم إلا طلع لهم آخر، استعارة لبقاء الرئاسة فيهم، وأنه لا يزال فيهم من في حياته نفع للإسلام وعز وكهف.