البحث الرابع في أحكام الاستعارة
  وأهليته لها، وسبقه إليها، لاستكمال خصالها فيه، «ينحدر عنى السيل، ولا ترقى إلى الطير» كنى بذلك عن علو شأنه، وارتفاع قدره، وعظم خطره عند الله «فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا» كنى بذلك عن إعراضه عن الإمامة، لأمور جرت وعوارض حضرت، فرأى أن الإعراض أحجى، وأسلم للدين وأرضى، والسدل هو إرخاء جانبي الرداء، وطى الكشح كناية عن القطع، يقال فلان طوى كشحه عنى، إذا قطعك، ويحتمل أن يريد بطى الكشح، أنه أضمر ما في نفسه، وستره وكتمه، يقال طويت كشحي، عن الأمر، إذا أضمرته وسترته، وكلا الأمرين صالح هاهنا ثم قال «حتى مضى الأول لسبيله» كنى به عن أبي بكر «فأدلى بها إلى فلان بعده» كنى به عن عمر من تحمله للخلافة بعده «إلى أن قام ثالث القوم» كنى به عن عثمان وخلافته «وقام معه بنو أبيه» كنى به عن بنى معيط «يخضمون مال الله خضمة الإبل، نبتة الربيع» يكنى به عن أخذ الأموال من غير حقها، ووضعها في غير أهلها، ولقد كان الأمر فيهم كما قال # من الخضم والقضم، والتوسع في الأموال. والترفه فيها. فهذه الخطبة مشتملة على توجع، واصطبار على ما كان منهم في الإمامة، من الاختصاص والإيثار، ولم يصدر من جهته # ما يكون قدحا في أديانهم ولا حطا لمراتبهم، ولا نقصا لأقدارهم، وقد ذكرنا تقرير إمامته بالنصوص، وأوردنا ما يتعلق بحكم من خالفها في الكتب العقلية، ومن ذلك قوله #، في من يتصدى للحكم وليس أهلا له: «فإن نزل به إحدى المهمات هيأ لها حشوا رثّا من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات، في مثل نسج العنكبوت. لا يدرى، أصاب أم أخطأ» فهذا خارج مخرج الكناية عن جهله، وقلة البصيرة فيما يأتي ويذر، ثم قال: «جاهل خباط جهالات، عاش ركاب عشواءات» كنى به عن أنه لا يدرى، أين يضع قدمه، ولا أين منتهى قدره «لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذرى الروايات إذراء الريح الهشيم» كنى به عن خفة الوطأة في العلم، وعدم القوة على إحكام أصوله وفروعه، وهي كناية لطيفة لا يقوم لأحد بها لسان، ولا يطلع على محّ فصاحتها إنسان، ولا يعرف قدرها، ولا يستولى على سرها، ويعلم قدر جوهرها إلا الخواص من أهل هذه الصناعة وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.