البحث الرابع في أحكام الاستعارة
  هذا في تنور أهلك لكان خيرا لك، فذهب الرجل فألقاه في التنور، فاحترق، ولم يرد عبد الله احتراقه وإنما أراد المجاز، وهو أنه لو باعه وصرف قيمته إلى دقيق يخبزه في التنور أو حطب يلقيه فيها لكان خيرا له، وهذا الكلام حكاه ابن الأثير عن عبد الله بن سلام، وهو مأثور عن الرسول ÷، بمعناه في سنن أبي داود. ويمكن أن نقول: ما نقله عبد الله بن سلام هو من جهة الرسول ÷، ومن هذا قولهم «فلان يقدم رجلا ويؤخر أخرى» جعلوه كناية عمن يتحير في أمره، فلا يدرى كيف يورده ويصدره، وقوله «ما زال يفتل في الذروة والغارب» يجعلونه كناية عمن يريد التلطف والاحتيال في المساعدة إلى ما يقصده ويريده، وقولهم «فلان ينفخ في غيره ضرم» جعلوه كناية عمن يفعل فعلا لا يجدى عليه بفائدة، ولا يعود عليه بنفع، لأن النفخ في غير ضرم لا يورى نارا، ومن هذا قولهم «فلان يخط على الماء» يكون هذا كناية عمن يفعل فعلا يكون عدمه كوجوده بالإضافة إلى عدم الفائدة. لأن الخط على الماء يذهب في أسرع شيء وأقربه، والكنايات كثيرة في كلام العرب، وأمثالها، وفيما ذكرناه غنية وكفاية، وبالله التوفيق.
  واعلم أن هذه الأمثلة التي أسلفناها من الكنايات من الكتاب، والسنة، وكلام أمير المؤمنين في الكناية، فإنها واضحة في الاستعارة وضوحا كليا، واحتمالها للكناية بعيد يحتاج إلى تكلف، والمقصود وهو معرفة الأمثلة وإيضاح المقصود بها، فإن هي صلحت حصل المقصود، وإن كانت غير صالحة للتمثيل طلب غيرها ولم يكن خللها يخل بالحقيقة المطلوبة.
  النوع الخامس فيما ورد من الكنايات الشعرية
  فمن ذلك قول أبى الطيب المتنبي في مدح سيف الدولة:
  وشر ما قنصته راحتى قنص ... شهب البزاة سواء فيه والرخم
  فكنى بالبزاة عن سيف الدولة، وبالرخم عن غيره، وأنه يستوى فيه المال هو وغيره، ومن ذلك قول الأقيشر الأسدي: